غير مصنف --

البلاد تغرق الاوضاع فاقت الاحتمال، ولكن هل سنعبر؟

بانتهاء خريف هذا العام ، ربما يدرك السودانيون بمختلف سحناتهم ، وانتماءاتهم السياسية ، أن الخطر الذي سيتعين عليهم مواجهته خلال المرحلة القادمة ، لا يقتصر فقط على تداعيات الديكتاتورية التي كانوا يرزحون تحت اغلالها طوال الثلاثون عاما الماضية ، ولا يكمن أيضاً في الاوضاع الاقتصادية المتردية ، او حتى ذلك البعبع الذي يعرف بالدولة العميقة ، وانما يكمن الخطر الحقيقي في ذلك النهر ، فبين ليلة وضحاها تحول النهر الذي لطالما تغنى الشعراء بوداعته لوحش يستحيل السيطرة عليه أو حتى ترويضه على أقل الفروض .

النيل ينتفض

من هنالك ، على جسر الفتيحاب الذي يربط مدينة امدرمان العريقة بالعاصمة الخرطوم التي تحتضن القصر الرئاسي ، بمقدور المارة مشاهدة الخراب الذي احدثه الفيضان بالمنتجعات الصغيرة المطلة علي ضفاف النيل ، والتي يرتادها المواطنين في اوقات فراغهم للتنفيس عن غضبهم والهروب من روتين العمل الملل، كما بامكان المارة أيضاً مشاهدة ارتفاع منسوب المياه والتي تبدو وأنها توشك على ابتلاع الجسر الذي بدأ وكانه قد فقد توازنه وهيبته امام النيل العملاق.

وقد سجل النيل خلال الايام الماضية ارتفاعاً ملحوظاً في منسوبه ، حيث بلغ بالامس مثلما كشفت وزارة الري والموارد المائية حوالي 17-65 متر متجاوزاً اعلى قمة مسجلة ب 39 سنتيميتر .
أما في امدرمان ، فقد تسللت المياه الى بعض المنازل ، لتحدث خسائر فادحة في الممتلكات ، وهو أيضاً ما حدث بالتحديد لأهالي منطقة جبل اولياء جنوب العاصمة الخرطوم .

ومع أن شائعات كانت قد راجت على وسائل التواصل الاجتماعي تفيد بحدوث تشقق بخزان جبل اولياء إلا أن السلطات نفت ذلك ، واكدت على أنها عارية من الصحة ، بل وصل بالأمر بها الى إيصال رسائل مطمئة الي مواطنين على لسان الدكتور بلة احمد طه مدير عام شؤون النيل والخزانات الذي أكد أن خزان جبل اولياء يعد من أكثر الخزانات أمانا بالبلاد ، مبيناً أن المناسيب خلف وأمام الخزان متساوية تقريباً مما يعني عدم وجود تاثير على جسم الخزان .
وفي شمالي بحري ، ادى فيضان النيل الي غرق قرية “التمانيات غرب” غرقا كاملاً ، وتدمير كل المنازل البالغة ٣٥٠ منزلاً . وحتي امس الاول ” الاثنين ” لا زال بعض اهالي القرية يعيشون في العراء على الرغم من مرور اكثر من ست وثلاثون ساعة دون ان تحرك الحكومة ساكنا عدا ووعد مسؤول بمكتب الوالي بتوفير الخيام مثلما ذكرت وسائل اعلامية في وقت سابق.

اما في بعض مناطق امدرمان فقد غمرت مياه الفيضان بعض من شوارع الاسفلت بشكل شبه كامل، وجعلتها تبدو وكانها احدى الطرق المقفرة بقرية نائية في اطراف البلاد .

خسائر أخري.

ويكشف تقرير صادر من المجلس القومي للدفاع المدني أن جملة وفيات السيول والفيضانات بالبلاد قد ارتفعت الي ١٠٢ . بينما أنهار حوالي٢٦٣٨٦ منزلاً بشكل كلي ، و ٤٠٦١٧ منزلاً بصورة جزئية ، فيما تضرر ١٧٩ مرفقاً ، و٣٥٩ محلا تجاريا ، ونفوق عدد ٥٤٨٢ من الماشية .
ووصل عدد المنازل المنهارة بالخرطوم فقط حوالي ٣١١ منزل ، بينما كانت النسبة الاكبر من نصيب ولاية البحر الاحمر التي بلغ فيها العدد حوالي ٨٥٠ .

عجز حكومي

وعلي وسائل التواصل الاجتماعي ، أعاد ناشطون ومتطوعين في العمل الانساني احياء أسطورة عروس النيل التي تتحدث عن القرابين البشرية التي كانت تقدم للنيل من اجل تهدئته وترويضه ، في خطوة عدت بانها تقريظ لطيف للحكومة التي أثبتت فشلها حتي الآن في أحكام سيطرتها علي النيل الهائج .

حيث سبق وان اقر رئيس الوزراء د/عبدالله حمدوك بان الكارثة اكبر من امكانيات حكومته . وقال خلال زيارة تفقدية لمدينة سنجة : “ان ما يحدث قد فاق فيضانات 1946 و1998 “و من هناك لم ينس رئيس الوزراء ايضاً ايصال رسائل تؤكد حوجة بلاده لدعم الاشقاء والاصدقاء بالمجتمع الدولي .

فيما قال مدير وحدة الانذار المبكر بوزارة الري والموارد المائية رضوان عبدالرحمن مثلما ذكرت وسائل اعلامية : “ان العاصمة الان تقف على كف عفريت ” ؛ لان مناسيب النيل طبقا- لنشرة وزارة الري والموارد المائية عند الخرطوم -في اعلى ذروتها منذ قرون .

ولكن على الرغم من الانتقادات التي ظلت توجه ضدها ، الا ان الحكومة لم تزل تبذل مساعيها الحثيثة لدرء اثار الفيضانات التي تشهدها البلاد . ويبدو ذلك واضحا في الزيارات المكوكية التي ظل يقوم بها قادتها الي المناطق المتضررة بجانب حديث د/ هبة احمد علي وزيرة المالية والتخطيط الاقتصادي المكلف التي اكدت وقوف وزارتها مع المتاثيرين من الفيضانات . بل انها كشفت خلال حديثها امس في منبر ” سونا” ان الوزارة قد عقدت اجتماعات مع المانحين للمساهمة في درء اثار الفيضانات ، وانها تعمل بتنسيق تام مع غرفة الطوارئ .

واعلنت هبة عن تخصيص اكثر من 150 مليار جنيه لتخفيف اثار الفيضان عبر الدفاع المدني ، بجانب 33 مليار جنيه اخريتم تخصيصها لوزارة الصحة لمقابلة الاحتياجات الصحية الطارئة .

تضامن دولي

واعلنت عدد من الدول العربية تضامنها مع البلاد . فيما قررت جامعة الدول العربية انشاء غرفة عمليات لمتابعة تطورات الاوضاع وتنسيق الغوث العوني العربي المقدم الى الخرطوم . وقال الامين العام المساعد لرئيس قطاع الشؤؤن الاقتصادية ، السفير كمال حسن علي مثلما ذكرت وكالات انباء ان الدعم العربي سيكون من شقين ، الاول دعم اغاثي عاجل يشمل الدواء والغذاء ، والثاني دعما فنيا للمساعدة في اعادة الاعمار وتقديم المنح الدراسية والتعليمية لابناء المتضررين من الكارثة .

كما ابدى الكثير من المشاهير حول العالم تعاطفهم مع السودان بينهم المعلق الرياضي حفيظ دراجي الذي كتب علي صفحته الشخصية بالفيسبوك ” كان الله في عون الشعب السوداني العزيز في مواجهة تداعيات الفيضانات والسيول التي يتعرض لها البلد العظيم بشعبه الصابر ، الطيب والجميل” . كما ترحم على اراح الضحايا داعياً الله الى اعانتهم على تجاوز الكارثة حسب تعبيره .

تاَزر
ورغم الاوضاع الماساوية التي خلفتها الفيضانات ، يثق الكثير من المواطنين الذين استطلعتهم ” الجريدة ” في قدرة السودانيين شعبا وحكومةً على تجاوز اثار الكارثة والخروج منها باقل الخسائر الممكنة . بينما تطوع اخرون في مساعدة الضحايا وتتريس النيل باجسادهم في مشهد اعاد للاذهان لحظات التاَزر التي تميز بها السودانيين دون غيرهم من شعوب العالم . ربما يبدو الخطر اكبر من ان يحتمل ، ولكن هل سنعبر ؟ هذا ما ستكشف عنه الايام .

صحيفة الجريدة

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى