السودان اليوم:
(1)
بين موقف واضح وحاسم اتخذه المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير إزاء الضغوط الأمريكية على السودان بشأن التطبيع، وموقف مربك في منزلة بين المنزلتين أعلنته الحكومة الانتقالية، وصمت غير مبرر لرئيس مجلس السيادة ينبئ عن موقف خارج السياق، انهى وزير الخارجية الأمريكي مايكل بومبيو زيارته الخاطفة للخرطوم دون أن يظفر، على الأقل في هذه المرة، بما كان يتهياّ له بيقين كامل من أن هذا البلد المنهك بفعل استمرار إدراجه ضمن لائحة واشنطن للدول الراعية للإرهاب التي تمسك بخناقه ستجعله صيداً سهلاً سريع الاستسلام لخطوة بلا معنى سوى إرضاء الغرور الإسرائيلي.
(2)
موقف مشرّف اتخذه المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير في هذه القضية يستحق التقدير بلا شك، ففضلاً عن تأكيده بأن الموقف من قضية التطبيع مع إسـرائيل ليست من قضايا حكومة الفترة الانتقالية المحكومة بالوثيـقة الدستـورية، وهو إقرار بالغ الأهمية بعدم مشروعية اتخاذ قرار بغير غطاء دستوري وشرعية انتخابية، فقد “أمـن علي حـق الشعب الفلسطينـي في اراضيه وحـق الحياة الحـرة الكريمة” وهذا موقف خليق بثورة مجيدة شعارها “حرية .. سلام وعدالة” وهي منظومة قيمية وإنسانية وأخلاقية لا تقبل القسمة على اثنين، ولا يمكن لثوري أصيل أن يؤمن ببعض كتابها، ويكفر ببعضها، فهي كل لا يتجزأ، وإلا فليراجع من يقلل الالتزام بها إيمانه حقاً بهذه القيم، وجدارته بالدعوة إليها.
(3)
على الرغم من وضوح هذا الموقف الذي يحمد له أن أتخذ ب”مؤسسية”، وبمشاركة شاملة تنادى لها حزب الأمة على الرغم من موقفه المعلن بتجميد عضويته، كما شارك فيها السيد رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك، وعدد من وزراء حكومته، إلا أن مردود المحادثات التي أجراها وزير الخارجية الأمريكي مايكل بومبيو في الخرطوم مع رئيس المجلس السيادي، ورئيس الحكومة الانتقالية كشفت عن تباين في مواقف ترويكا الانتقال حيث أفصحت البيانات الرسمية الصادرة عقب اللقائين عن تباين واضح في روايات الطرفين السوداني والأمريكي عن حقيقة الأجندة التي جرى بحثها في كواليس الاجتماعين.
(4)
وحسب بيان للخارجية الامريكية فإن أجندة محادثات بومبيو مع البرهان ناقشت أربع قضايا “القضايا الإقليمية ذات الأهمية المشتركة، بما في ذلك استمرار تعميق العلاقات الثنائية بين إسرائيل والسودان”.
وحول محادثاته مع حمدوك إضافة للقضايا التقليدية المعروفة التي ظلت على طاولة الحوار الدبلوماسي المتطاول بين البلدين، أشار البيان الأمريكي إلى أن الاجتماع تناول ” التطورات الإيجابية في العلاقات السودانية الإسرائيلية”.
وهو ما يتناقض مع ما ذكره بيان الحكومة السودانية “وحول الطلب الأمريكي بتطبيع العلاقات مع إسرائيل أوضح رئيس الوزراء للوزير الأمريكي أن المرحلة الانتقالية في السودان يقودها تحالف عريض بأجندة محددة لاستكمال عملية الانتقال وتحقيق السلام والاستقرار في البلاد وصولا لقيام انتخابات حرة، ولا تملك الحكومة الانتقالية تفويضاً يتعدى هذه المهام للتقرير بشأن التطبيع مع إسرائيل”، وحتى هنا يتفق مع ما ورد مع بيان قوى الحرية والتغيير، غير أن البيان الحكومي ما لبث أن أضاف جملة نسفت ما سبقها بقوله”وأن هذا الأمر يتم التقرير فيه بعد إكمال أجهزة الحكم الانتقالي” فكيف يستقيم هذا التناقض؟.
(5)
لا شك أن صمت البرهان عن الإفصاح عما دار في لقائه مع بومبيو ، وموقف الحكومة المربك الذي فتح الباب لإمكانية إعادة النظر في قرار التطبيع عقب تشكيل المجلس التشريعي الانتقالي وهو غير مؤهل حسب المعايير التي تم الاستناد عليها، يطرح تساؤلات ملحة عن حقيقة ما جرى من مداولات وراء الكواليس بين الوزير بومبيو والرئيسين البرهان وحمدوك، في ظل عدم الإفصاح والشفافية بشأن ما حدث تبقى الاحتمالات مفتوحة للتساؤل إن كانت هناك “صفقة ما” عًقدت وراء ظهر الجميع في انتظار أن ينضج طبخها على نار هادئة.
The post بومبيو ورائحة “صفقة ما”.. بقلم خالد التجاني appeared first on السودان اليوم.