أمطار غزيرة تفاجئ السلطات كل عام، وتكررت في الأعوام السابقة سيناريوهات معاناة ولاية الخرطوم مع فصل الخريف، حيث تقدم الولاية سنوياً عشرات الضحايا بجانب انهيار بعض المرافق العامة وآلاف المنازل جراء السيول والأمطار، ويعود ذلك إلى الإهمال وسوء التخطيط اللذين يصاحبان الاستعدادات التي تبدأ متأخرة، فهل ستتخطى ولاية الخرطوم عقبة خريف 2020 بنجاح؟
في هذا الشأن وجه والي الخرطوم يوسف آدم الضي في اجتماع عقده مع المديرين التنفيذيين للمحليات يونيو المنصرم، بضرورة مضاعفة الجهود في المحليات استعداداً للخريف، مشيراً إلى استعداد الولاية لتقديم الدعم اللازم لتجهيز مرافق تصريف المياه.
استعدادات وزارة الصحة
مدير إدارة صحة البيئة بالإدارة العامة للطب الوقائي مصعب محمد أحمد استعرض خلال اجتماعه مع اللجنة العليا لطوارئ الخريف يونيو المنصرم، خطة طوارئ الخريف للعام الجاري بميزانية قدرها (63139300) جنيه، وأفاد بتكوين عدد (114) فريق لمباشرة العمل، وشملت خطة العام كلورة الآبار ذات الاحتكار العالي ومعالجة المواقع التي يتوالد بها الذباب وإغلاق كمائن الطوب بالولاية.
وأشار مجدي عبد السلام مدير إدارة الملاريا إلى الهدف من خطة طوارئ الخريف المتمثلة في احتواء مرض الملاريا، والعمل على الحد من كثافة البعوض، وتوفير المعينات التي تساعد في التشخيص السليم والمعالجة الناجعة، ورفع الوعي الصحي لدى المواطن، وأفاد بتوفير المبيدات اللازمة إضافة إلى (324) ماكينة هدسون و(134) ماكينه ضبابية و(30) ماكينة مريوما استعداداً لمكافحة البعوض أثناء فصل الخريف بميزانية كلية بلغت (141963326) جنيه و(650) عاملا.
ارتفاع منسوب النيل
الإدارة العامة لشؤون مياه النيل والخزانات، أفادت في بيانها اليومي الذي تقدمه للجنة الفيضانات، أن نزول أمطار في الهضبة الإثيوبية خلال اليومين الماضيين أدى إلى ارتفاع مفاجئ في مناسيب النيل الأزرق.
وأوضحت في بيانها أن الحبس الدمازين – سنار والحبس سنار- الخرطوم والحبس الخرطوم – شندي والحبس شندي -عطبرة والحبس خشم القربة عطبرة، والحبس عطبرة – سد مروي جميعها ستشهد ارتفاعاً، بينما سيشهد الحبس سد مروي- دنقلا استقراراً، ونوهت الإدارة الجهات المختصة والمواطنين إلى اتخاذ الحيطة والحذر حفاظا على الأرواح والممتلكات.
ضعف بنية وسوء التخطيط
يقول الخبير الهندسي أحمد محمد الحسن عطا المنان لـ”السياسي” فيما يخص الكوارث المصاحبة لفصل الخريف في ولاية الخرطوم، إن هنالك ازدياداً كبيراً جداً في أعداد المتضررين والضحايا في كل عام، مضيفاً أن هذا يفتح الباب أمام أهمية المسائلة والتحقيقات حول أسباب تكرار هذه الحوادث بدرجات متفاوتة رغم الموعد المعلوم لفصل الخريف، ورغم حديث السلطات المتكرر عن تجهيزات الخريف وتشكيل اللجان والغرف سواءاً في الحكومة البائدة أو الحالية لأنه لا يرى أي بوادر إصلاح.
وأضاف أحمد أن البنية التحتية الضعيفة ساهمت بشكل كبير في ارتفاع الخسائر بشكل ملحوظ خصوصاً في المنازل والممتلكات العامة في الأعوام السابقة، وأضاف أن هناك تخوفاً من خريف 2020 الذي يتوقع فيه هطول أمطار تعيد للأذهان ذاكرة خريف 88 التي غمرت مساحات كبيرة مخلفة وراءها الكثير من الأضرار.
ويعزو أسباب الأضرار المصاحبة للخريف لسوء التخطيط واستغلال المساحات التي كانت تستخدم كمعابر للمياه، والتصديق لخطط سكنية في الممرات المصممة لتصريف المياه.
ويقول إن من الملاحظ دوماً في كل خريف أن السكان يقومون بتكسير الطرقات المسفلتة، لأن الطرق المعبدة دائماً تصمم بمستوى أعلى من المنازل، مشيراً إلى أنه لا بد من عمل المجاري الجانبية أو تحت الطريق حتى تنساب المياه دون أن تخلف أضراراً.
وأضاف أن كوارث سقوط المنازل والمرافق العامة سمة ملازمة للخريف، مواصلاً: “إذا أخذنا نظرة تاريخية نجد وفاة 74 شخصاً في خريف عام 2010، و أدى خريف 2012 إلى مصرع 36 شخصاً بحسب الإحصائيات، وفي خريف عام 2013 شاهدنا أكبر خسائر كبيرة للغاية، حيث شهد ذلك العام وفاة أكثر من 56 شخص وانهيار عدد 26 ألف منزل.
وأشار في حديثه إلى أن معالجة المشكلات التي تصاحب فصل الخريف ليست بالأمر السهل، وتتطلب إعادة تخطيط شامل، ومن الصعب أن تقبل بها السلطات والنافذين بسبب تضارب المصالح حسب قوله، وبالنظر إلى الحلول العاجلة تتمثل في الاستعداد المبكر بدراسة مواقع احتباس المياه، ووضع المجاري بطرق علمية مشدداً على الابتعاد عن عمل الردميات، بجانب إعادة تصميم الشوارع بما يتماشى مع التضاريس، وإجبار أصحاب الإنشاءات الجديدة على موافاة الشروط، مشيراً إلى أهمية تكوين لجان حقيقية لمتابعة المواصفات في بناء المدارس والمنازل والطرق الجديدة حتى لا تتكرر مأساة وقوع الضحايا، ونوه على ضرورة العمل على مكافحة الفساد العمراني، معلقاً آماله على الحكومة الجديدة في تحسين الأوضاع التي تعيشها الخرطوم في كل خريف.
جولات استطلاعية
(السياسي) قامت بجولات استطلاعية في مدن الخرطوم الثلاث لتقف على استعدادات الخريف بالولاية، والتقت بالمواطن الخير الزين نمر والذي يسكن أمدرمان منطقة القرية، وأفاد أن الاستعدادات في المنطقة تجري على قدم وساق، موضحاً أنه قد تم فتح المجاري استعداداً للخريف، ومن منطقة أم بدة التقت (السياسي) بالمواطن الفاتح جلال الدين والذي أشاد بالعمل الذي تقدمه السلطات من نظافة وفتح للمجاري وأشار إلى أنه لم يرى في الأعوام السابقة أي استعدادات لفصل الخريف مشيداً بهذه الخطوة.
وقال المواطن أمجد الربيح والذي يسكن في منطقة الصالحة جنوب أمدرمان للسياسي أن الاستعدادات لديهم لخريف 2020 شبيهة بالأعوام السابقة، حيث لا يرى أي أعمال حقيقية، وأضاف أنه تم فقط تنظيف المجاري والتي وصفها بالصغيرة، مشدداً على ضرورة توسيع المجاري حتى تنساب المياه دون إحداث أي أضرار.
ومن مدينة بحري منطقة الحلفايا التقت (السياسي) بالمواطنة مروة عماد والتي قالت إنها لا ترى أي استعدادات لفصل الخريف هذا العام وجاء حديث المواطن الصادق يوسف والذي يسكن بنفس المنطقة مؤيداً لحديثها، فيما قال المواطن عبد الله أبكر والذي يسكن في الجزء الشرقي من مايو بمنطقة مانديلا إن العمل على فتح المجاري لم يتم بالصورة المطلوبة، وأضاف أن الأعوام السابقة لم تقدم لهم الحكومة مثل هذه الأعمال البسيطة خاتماً حديثه بالحمد لله.
وتباينت الآراء حول العمل على استعدادات الخريف في مختلف مدن الولاية، وستكون الأيام القادمة هي الفيصل فيما يتعلق باستعدادات ولاية الخرطوم لفصل الخريف هذا العام.
طرق تربط الخرطوم
كشفت مقدمة أمطار هذا العام، وقبل بلوغ الموسم ذروته، عن سوء الطرق التي تربط ولاية الخرطوم بالولايات الأخرى، فبالرغم من قيام وزارة البني التحتية بعمل صيانة لطريق أمدرمان – بارا بولاية شمال كردفان استعداداً لفصل الخريف، إلا أن السيول نالت منه مرة أخرى، حيث قامت الوزارة بردم المناطق المتضررة حتي لا تتوقف حركة السير.
هاشم بن عوف وزير البنى التحتية والمواصلات أكد عبر صفحته الرسمية على فيسبوك أبريل المنصرم وقوفه على عملية صيانة طريق الصادرات أمدرمان – بارا، مشيراً إلى تقسيم المشروع على عدد من الشركات المتوسطة إضافة إلى المقاول الرئيسي الذي سيكون مسؤولاً عن أعمال الأسفلت والجوانب.
وأضاف أن “الإنجازات كانت متفاوتة، منها ما كنا راضين عنه تماماً، بينما قدمت شركات أخرى عملاً لا يليق بالزمن المتبقى للخريف، وقمنا بإعطائهم إنذاراً نهائياً، ونستطيع استبدالهم بشركات أخرى ذات كفاءة أعلى”.
ولكن وبحسب ما جاء أيضاً على صفحة وزير البنى التحتية والمواصلات مايو المنصرم، تضرر طريق الصادرات أمدرمان – بارا عند الكيلو 180 جراء السيول والأمطار، وتمت صيانة الطريق في وقت قياسي بعمل الردميات المؤقتة، وعادت حركة الآليات والجرارات بصورة طبيعية، على أن يتم تكثيف أعمال الصيانة الفترة القادمة.
فيما أشار المدير العام للهيئة القومية للطرق والجسور إيهاب محمد أوهاج لمشاريع أخرى لصيانة الطرق متمثلة في طريق عطبرة –هيا، وطريق الجيلي – شندي – عطبرة، بجانب طريق الخوي – النهود، واعداً المواطنين بتغيرات ملموسة ستشهدها هذه الطرق.
تسنيم خوجلي
صحيفة السياسي