-1-
أفضل ما فعل، وزير المالية المُستقيل دكتور إبراهيم البدوي:
ما كتبه على حائط المُغادرة بحبر الحُزن.
فعل ذلك بشيءٍ من المرارة والغيظ
المكتومين.
ولم يَنسَ إرسال رسائل عتابٍ مُبطّنةٍ على بعض عناوين البريد.
أهم الرسائل كانت في صندوق صديقه القديم دكتور عبد الله حمدوك.
دكتور حمدك بدأ مع البدوي المُشوار، مُشجِّعاً وداعماً، ولكن سُرعان ما تركه يمضي وحده إلى نهاية الطريق.
حينما شَعَرَ رئيس الوزراء بحجم المطلوب سحبه من رصيده السِّياسي لتغطية سياسات البدوي.. قرّر التراجٌع إلى الوراء – دُون إخطارٍ – وترك صديقه (يَدُق رَاسُو في الحيطة)!
-2-
مع ذلك أن يكتب الوزير المُستقيل ويُوضِّح ويشرح ويقدم معلومات ذات صلة بمُغادرته الموقع، في ذلك خير وفائدة عامة.
غالب الوزراء في كل الحكومات يأتون فرحين، تسبقهم الوعود المجنحة والأماني العذبة.. سُرعان ما يُغادرون في صمت وحسرة عبر باب الخيبة، فلا تكاد تسمع لهم ركزا.
خُذ مثلاً:
وزير مثير للجدل والعواصف مثل دكتور أكرم التوم، مُرتبط بوزارة معنية بالحفاظ على أرواح الناس، غادر الموقع دون جرد حساب!
كان على دكتور أكرم تقديم مُرافعة ختامية للرأي العام، يُوضِّح خلالها حسابات الفشل والنجاح.
ماذا وجد؟ وماذا فعل؟ وأين كانت الصعاب؟ ولماذا جاءت المُغادرة على تلك الشاكلة غير المسبوقة؟!
-3-
أكرم غادر موقعه عبر عملية تسليم وتسلُّم ديوانية روتينية باردة في غُرفة مُغلقة!
بل الأدهى – كما كشفت وزارة المالية – غادر دون تصفية حساب أموال مُواجهة جائحة “كورونا”، أين ذهبت ملايين الدولارات؟ وفِيمَ صُرفت؟!
الشفافية مطلوبة بشدة في التعامُل مع مثل هذه الأموال، لكسب ثقة الداعمين ولتعزيز منظومة النزاهة في الدولة، وإغلاق أبواب الشائعات.
-4-
المهم، سبب أساسي لوجودنا المُستدام في دائرة الفشل والإخفاق: عدم اهتمامنا بتوثيق التجارب وتسجيل الشهادات.
ترتّب على ذلك الإهمال، تكرار الأخطاء وإعادة إنتاج التجارب الفاشلة.
-5-
لم يكن مُفاجئاً بالنسبة لي، وربما لكثيرين مُغادرة البدوي بالاستقالة أو الإقالة.
تحت عنوان (ألحقوا البدوي) كتبت في هذه المساحة بعد ثلاثين يوماً من تشكيل الحكومة:
الدكتور إبراهيم البدوي لا أحد يطعن في كفاءته العلمية، حسب السِّيرة الذاتية، وشهاداته الرفيعة، ولكن تنقصه الخبرة العملية.
طوال عمله في البنك الدولي، ظل في قسم البحوث ولم يُغادر تلك المحطة، إذ أصبح مديراً لمركز السياسات والبحوث الاقتصادية بدبي.
ثم آخر محطة قبل الوزارة، كان مدير منبر البحوث الاقتصادية في القاهرة.
لم يُغادر البدوي محطة (التنظير) والبحوث، منذ جامعة الجزيرة إلى أن أصبح وزيراً.
لم يُمارس أية مسؤوليات ذات طابع تنفيذي في أي وزارة أو جهاز من أجهزة الدولة ولا في الخارج.
وختمنا بالقول:
إذا سار البدوي على هذا النهج المُتخبِّط، بسبب غباش الرؤية وعِلل التعبير وقلة الخبرة.. فلن يكون مصير حكومة حمدوك أفضل كثيراً من حكومة البشير التي ظلّت إلى آخر أيامها تنتظر غوثاً خارجياً لا يأتي، وإن جاء، لا يتجاوز (بَل الريق)!
-أخيراً-
كذلك إذا مضى دكتور حمدوك في اختيار وزرائه الجُدد بذات الطريقة التي اختار بها (البدوي وأكرم) وآخرين.. لن تكون النتائج أفضل مما انتهى إليه في عامه الأول من (صفر كبير)!
صحيفة السوداني