غير مصنف --

أكلُنا معاهُم بطيخة.. بقلم العيكورة

السودان اليوم:
تعال يا حاج إبراهيم أسمع كلام الأولاد ديل ، كان هذا هُو إبراهيم ود حاج البشير الشهير ب [إبراهيم جان] مُنادياً لابراهيم ود حاج عُمر [ البيه] عندما تصادف مُروره أمام الدُكان حينما كُنّا نُتجادل معه في أجرة (تعميشه) بالرمل والأسمنت نفذناها لمنزله والتعميشه كُنا نخلط لها الرمل مع الأسمنت بنسبة واحد الى تسعة ونملاء بها عراميص البناء المُتأثرة من الخريف وهى أقلُ وجاهةً من البياض والكُحلة ولكنها كانت تقي نوائب الخريف فرقة أنشأناها نحنُ طُلاب الثانوى حينها معى المُهندس فيصل و إستوعبنا لاحقاً مُتوكل عوض سارديا كطُلبه نفذنا كثير من المشاريع الناجحة داخل القرية فكانت مُقاولاتنا الأقلُ تكلفة والأسرع تنفيذاً فنحنُ طلبه ونسعى لملء الفراغ و لا نتوقف كثيراً فى الإتفاق ولا نعرف (مَحْركَة) الأسْطوات المُحترفين لذا شكلنا خلية مُزعجة لنشاطهم ، جعلتنا أكثر رفاهيةً والأحسنُ هِنداماً بين زُملائنا وكُنّا لا نجدُ حرجاً أبداً في أن نقرَب الفُول المَصْلّح بالساردين وشُرب البيبسي البارد من دُكان بابكر الحليبي متى ما شئنا وأن نذهب لمدنى و نستمتع بفول أبو ظريفة ونحليّ بالباسطة ونحمل أكياس الموز لإهلنا فى رحلة العودة هكذا كان حالُنا بفضل العائد المادي الذى يدُرهُ علينا العمل الصيفى .
إتفقنا مع عمّنا إبراهيم ود حاج البشير على سعر(الدرقة) بستّه جُنيهات وكان البيت غرفتين (قطر) كانتا خلف دكانه ولم يكُن هُنالك حُوش فمن الشارع الذى بينه وبين الخضر ود حاج محمد نور يُمكنك رؤية الدُكْان وخلفهُ البيت تفصلهُما مساحة هى ظل شجرة النيمه ، حقيقة كان هُناك خلل تعاقُدى كما يُقال فلم نتطرق عند الاتفاق أن طُول الغُرفتين معاً تُعتبران (درقة) واحدة أم (درقتين) والدرقة يُقصد بها مساحة الجدار الواحد من الغُرفة وغالباً هى أربعة متر في أربعة متر و عندما أنهينا المُهمْة وحان وقتُ الحساب حصل الإختلاف ! زميلي فيصل بحُكم أن الرجُل خالهُ إنسحب من النقاش وترك لى (وشّ القباحة) و قد كان فقد إشّتد جدالنا فكان رأيي أنْ طُول الغُرفتين يُعتبران درقتين وعمّنا إبراهيم يُصر أنها درقة واحدة وأننا لم نقُل له ذلك عند الإتفاق ويبدو أن الرجل قد سيطرت عليه عقلية الربح والخسارة وإستغلال الثغرات التعاقُديه ومن حقه فالرجل في النهاية تاجر وبينما نحنُ كذلك تصادف مُرور عمنا إبراهيم ود حاج عُمر فناداهُ إبراهيم جان ليفصل بيننا فوقف الرجُل مُناصراً لرأينا أنها (درقتين) وإنصرف لم يمكُث طويلاً وهُنا تذمّر عمّنا ود حاج البشير وإنصرف ناحية الدُكان يتحدثُ بيديه مُردداً (كتيره كتيره خلاص ما بدفعها ، سعُودية ، سعودية هي) أي مُشبهُنا بالمغتربين لضخامة المبلغ وكلما إبتعد عنىّ إلتفت الىّ قائلاً مُعدداً خسارتهُ معنا يعقفُ على كل أصبعٍ من يده اليُسري مؤمناً عليه بسبابة اليُمنى بفطركم ، بتشربو شاهى الفطُور ، بغديكُم ، وبتشربو شاهى الغداء و في هذا الأثناء كان إبنه محمد (ود الجان) طالب جامعة الخرطوم آنذاك يُراقبُ الحدث من داخل الدُكان عبر النافذة فناداهُ بصوتٍ ضاحك سمعناهُ جميعاً (يابا أمس أكلو معانا بطيخة ما تنساها) أي كأنه يذكره أن يُضيفها لخسارة الصفقة ! والحقُ يُقال في ذات اليوم لم نستلم المبلغ فقد كان الرجُلُ غاضباً و رجعتُ أنا لأهلى ودخل هو لمتجره ولكن ثاني يوم أو ثالث لا أذكر تحديداً فقد إستلمتُ المبلغ كاملاً غير منقُوص وما زحنى عليه رحمة الله (أقعد أشرب شاي) وأتبعها بضحكة وحركة رموشه المُتسارعه كما هُو معروفٌ عنهُ . في ظل الإختفاء القسري لفيصل عن المشهد إستلمتُ المبلغ ستة وثلاثون جُنيهاً إستلمتُها عدّاً ونقداً بالتمام والكمال وكان راضِي النفس ، كان المبلغ مُحترماً آنذاك يُخولُ لنا الحديثُ مع الأثرياء إقتسمناهُ مُناصفة مع المُهندس فيصل أحمد علي قُرشي .
ما لا أنساهُ أنْ مهارة التعامل مع الأسمنت والمُحّارة والقِدّة بدأتها بالعمل (كطُلبه) مع إبن عمي المرحُوم عبد الله السمانى طالب كسلا الصناعية حينها فقد كان له القدح المُعلّى في تعليمي هذه الصِنّعة فرافقته في مُعظم إجازاته كطُلبة داخل القرية تعلمتُ خلالها أعمال النقاشة والبياض وحتي (السِكِينة) (بكسر السِيّن والكاف مع التشديد) وهى الأصعب فقد نفذتها فرقتنا بدُكان بابكر الحليبى بكُل جدارة .
لم نكُن نُحبُ العطالة في المرحلة الثانوية نعمل بالنهار إذا توفّر العمل والعَصْرُ كان لتمارين الكُره والليل لم يكُون سهراً يمتد طويلاً بعد إغلاق الدكاكين لا أظنه يتجاوز الساعة العاشرة مساءاً نقضيه في الأنس والنُكته ولا أذكر أننا كُنا نتناول الناس بالالسن ولا نعرف المُحرّمات ولا بذئُ اللّفظ ولا تلُهينا سفاسِف الأمور تصحُو معنا المسؤلية اليومية مع (قُفّة) المُلاح ودقيق الطاحونة وتعبئة براميل المياه عبر الخراطيش فجُلّ إجازاتنا هى للنفير والمُساعدة .فكانت مدينة ود مدني غاية طُمُوحنا وأستوديو الشوّاف وقميص (تحرمنى منك) وخُلالٌ يعتلى شعر الرأس وصحيفة نتأبطُها وحذاءٌ قد فقد بريقه في رحلة العودة وبصٌ هو لورى في الأساس حوّلته المسغبة الى بص يبتلعُ خمسة وأربعين راكباً والعفش داخل البص على مسؤولية صاحبة لافته موسُومة بها كُلّ مراكبنا آنذاك يوم أن كانت الحافلات الحديثة ضرباً من الترف والجُنُون والخوف من الموت السريع،الثمانينيات كانت هى فورة الشباب وبناء الشخصية والإعتمادُ على الذات فكانت لنا الداخليات والثانويات وكُنّا لها تُعلمُنا من بين قاعاتها و بقرصة الاذن و الكلمة الهامسة توصينا كلّ ليلة (كُن علماً ولا تكُن نكرة) .

قبل ما أنسي :ـــ

كم عدد الهواتف الذكية في كُل بيت ؟ كم شاب يتبطّح الإجازات من ضُلّ لضُل ينتظر الوجبات بتأفف ؟ هل فكّر يوماً أن يبيع هاتفهُ ليبدأ به نشاطاً بسيطاً يدرُ عليه دخلاً ؟ هل فكّر أن يحمل صفيحة ماء ليغُسل السيارات ؟ هل فكّر أن يعمل مُساعد في لورى ؟ هل حاول أن يبيع الليمون والنعناع والمساويك هل فكّر أن يزرع حوضين ملوخية بطرف البيت ؟ المسؤول الأول عن الفلس الذى أنت فيه هو أنت فأنهض يا بُني فإن السماءَ لا تُمطِر ذهباً .

The post أكلُنا معاهُم بطيخة.. بقلم العيكورة appeared first on السودان اليوم.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى