السودان اليوم:
ليس الباشمهندس والأستاذ الصحفى الطيب مصطفى بالخوّار الذى يُهدد بالسجن ويُخوْف بالحراسات ليس هذا الرجل ذو المبادئ الإسلامية الراسخة و ذو الصوت العالى الذي لا لجلجة فيه ولا تردد هو من ترفع له السبّابة تهديداً فإن قال فرأيُه هو رأيُه لا يُحيدُ عنه قيد أنمُله لا يُداري ولا يُوارى ولا يُداهن ، رجل لا يعرفُ أنصاف الحُلول وليس للفواصل العشرية و الكُسُور قيمة فى حياته رغم دراسته للهندسة ، فيُمكن لحكومة الصبية الراجفة حد صكّ الأسنان ولجانها المُوازية أن تكسر من الأقلام ما شاءت ببطش السلطة لا بعدالة القانون إلاّ قلم هذا الرجل الصنديد الطيب مصطفى ولو كان من قصبٍ فإنه يُرعبهُم ، فقلمه ينطلقُ من الدين والقناعة والشجاعة إذا رأي الحق الصُراح صدَحَ به فى غير ما خوفٍ وإذا رأي الظُلم زأر فى وجهه لا تهُمٌه الأقاويل وأراجيف المدينة . عارض إبن أخته الرئيس السابق البشير فى غير ما خلطٍ لقربى وكوّن حزبه (منبر السلام العادل) وكان له رأيٌ فى إنفصال الجنوب و(نيفاشا) وغيرها من سياسات الدولة . التقيته فى مكتبه فضيّفنا فى كرم وأريحية حدثنا عن الدين والسياسة والأدب وحتمية سُقُوط (الانقاذ) وكانت يومها تُعالجُ أنفاسها الأخيرة رجلٌ لا يُملُ له حديثٌ لا وجُود للتورية فى مفرداته فكلماتهُ كالسيفِ فألفه الفٌ وباؤهُ باءٌ . لم يمنعه قربه من الرئيس أن يصدح برأيه المُخالف خلال الاعلام وعبر قلمه الجرئ فتعرضت صحيفتيه (الإنتباهة) و(الصيحة) للكثير من المُضايقات من المصادرة والتضييق حتى ضاق ذرعاً فباعهُما ولم يكسر قلمه فظلّ مُناصراً للدين والحق والضعفاء وصادحاً بالكلمة الجهُور والمفردة الوضاءة فى وجه السُلطان فما أكثر ما خاطب البرهان وحميدتي عن سُجناء (كُوبر) مُحذراً من الظُلم وما أكثر ما ناصر مظاليم الثورة وآخرهم كان ذو النون . الطيب مُصطفي ليس مُنجماً ولا كاهناً و لكنهُ قارئ ومُحللٌ دقيق لمُقبل الأيام مُستحضراً الآية و التاريخ وسُنن الحياة فما أكثر ما حذّر من أحداثٍ جسام صارت واقعاً مُعاشاً قبل أن يجفُ مداد قلمه . لذا تجد أكثر من يُخالفونه الرأي لا لشئ إلا لصراحة رأيه وبعده عن التلاعُب بالألفاظ فإن قال لاءُ فهى لاءٌ كؤود و إن قال نعم فهى سمحٌ سهُول .
بالأمس الأول أقتيد للحراسة بناءاً على بلاغ من لجنة إزالة التمكين كما حملت الأنباء ولكن هذه المرة ليس البلاغ ضد الرجل لإمتلاكه أراضٍ ومزارع هُنا وهناك بل لأنه إنتقد آداء لجنة إزالة التمكين فى مقالٍ صحفى ! ولأنه تحدي عُضو اللجنة الصيدلي صلاح منّاع بشُبهة فساد. ولأن الطيب مُصطفى ليس فى قامُوسه الوُرُود والرياحين وتغليف العبارات بالتزلف والالقاب فالحديثُ لم يُعجب اللجنة ويُقال أن البلاغ خلفه مناع ! إذاً ما الذي أشار اليه (أبوعبد الله) بالمُستندات حسب مقاله ويخشاهُ منّاع ولم يستطع أن ينتظر حتى تُشرق شمس الغد؟ لا أحد يعلم ! فإذا كان الأمرُ أمر مقالٍ فحسب فهُناك الجهة المُختصة بجرائم النشر (نيابة الصحافة) وكان بإمكان المتضرر منّاع أو غيره أن يتقدم لها ويُحصر الخلاف فى هذا الإطار القانوني أمّا أن يأخذ الطابع السياسي فالطيب مُصطفى هو رئيسُ حزبٍ وله هياكله وعُضويته ورؤيته للعمل السياسي و يُمارسُ السياسة بقلمه وحزبه كما الآخرين فلم يُحظر حزبه ولم يُحلّ و إعلامي معروف داخلياً وإقليمياً وعالمياً لذا لم تمضِ ساعات على إعتقال الرجل إلاّ ومادت الأرضُ تحت أقدام (قحت) بالوقفات الإحتجاجية والهاشتاقات المُنادية بإطلاق سراحه من مرصد حقوق الانسان (الأورومتوسطي) بجنيف وتحركات المحامين والصحفيين الذين إستهجنوا الخُطوة وأشار بعض المُحامين بأن لديهم من مُستندات الإدانة والفساد ما قد يطالُ رُموز الحُكُومة فى مُختلف مُستويات الحُكم . ولن يلتزموا الصمت بعد اليوم . إذاً لجنة إزالة التمكين أحاطت نفسها بقدسية جعلتها فوق المساءلة وسنّت لنفسها قانون يُجرّم حتى من ينتقدها قولاً وهذا (برأيي) ما يجب إعادة النظر فيه إذا ما أرادت أن يحترمها الرأي العام ويقدم لها السند والمؤازرة فى مهمتها المقدسة أما فى حالة إزدواجية الصلاحيات وتقاطعها السائدة الان بينها و بين صلاحيات النائب العام و وزارة العدل والداخلية فمهما حَصّنت عُضويتها بسياجٍ من الردع والتهديد في وجه كل من ينتقدُها فلن تنجح. ونتمنى أن تُعيد النظر بتنقيح قانونها الأخير فقد نام عُمر تحت ظل شجرة عندما حصّن دولته بالعدل.
قبل ما أنسي:ـــ
الى الطيب مصطفي فى زنزانته: فليس مثلُك من يُذكّر بالصبر والثبات ولا بمعركة الميدان نحن فرّاسا نادوا لى ناسا ولا بساعة الحارة تتقدم يا أب سيفاً شرابو الدم فقد زفر بها قلمُك من أعلى منابر الحق والخطابه ومهما طال ليلُ الظلام فستشرقُ شمسُ الحق فأبشر أبا (عبدُ الله) فقد أزف رحيلُ الدهماء و الرّجْرجة والرُويبضات .
The post يا جبل الحديد الصمّ .. الطيّب مصطفى.. بقلم العيكورة appeared first on السودان اليوم.