اخبار السودانمقالات

إبراهيم شقلاوي: الداخلية: تحديات الأمن واستعادة الثقة

تابعنا على واتساب

وجه الحقيقة |

 

 

 

 

ترددت كثيرًا قبل الشروع في كتابة هذا المقال، لاعتبارين منهجيين يستدعيان الدقة. أولهما أن موضوع الكتابة هذه المرة يتعلق بوزير الداخلية شخص أعرفه عن قرب “جاري في الحي” ، وهو أمر قد يُلقي بظلاله على حيادية التناول، ويضع الكاتب في منطقة ملتبسة بين التقدير الشخصي والتحليل المهني، مما يستوجب مزيدًا من التجرّد والتوازن.

 

 

 

أما ثانيهما ، فهو ما تفرضه مقتضيات الكتابة السياسية الرصينة من ضرورة التفريق الصارم بين الخطاب المهني للرأي العام ، وبين الخطاب الاجتماعي الذي يُستحب أن يبقى في دوائر العلاقات الاجتماعية.

 

 

 

 

ومع إدراك هذين الاعتبارين، فإن ما تشهده وزارة الداخلية في السودان اليوم يمثل تحولًا نوعيًا في مسار استعادة الدولة السودانية لعافيتها وهيبتها، خاصة مع عودة الوزارة بكامل طاقمها إلى الخرطوم، كخطوة عملية نحو إعادة بناء منظومة الأمن والخدمة العامة وإستعادة الثقة .

 

 

 

 

 

 

هذا التحرك بقيادة الفريق شرطة بابكر سمرة مصطفى، يجب ان يُقرأ في سياق ملء الفراغ الإداري، بجانب الحاجة الملحة إلى إعادة تموضع المؤسسة الأمنية داخل المشهد السياسي والأمني المعقد الذي تمر به البلاد.

 

 

 

 

إن التحديات الأمنية الحالية لا تقتصر على ضبط الجريمة التقليدية، بل تشمل تهديدات وجودية تطال بنية الدولة ذاتها، وتستدعي استراتيجيات غير تقليدية، توازن بين فرض هيبة القانون وحماية النسيج المجتمعي.

 

 

 

 

لا تزال العاصمة الخرطوم، في الاطراف ، تعاني من مظاهر انفلات أمني غير منضبط لاستخدام السلاح، في سياق يعكس هشاشة المنظومة الأمنية . ويقتضي هذا الواقع اعتماد مقاربة أمنية جديدة تتأسس على إعادة هيكلة الانتشار الشرطي، وتكثيف الارتكازات في المحاور الحيوية، مع توفير الإمكانات اللوجستية والبشرية الضرورية. كما يتطلب الأمر تفعيل آليات الضبط الميداني بقدر عالٍ من الصرامة، وفق معايير جديدة تستجيب لتعقيدات المرحلة الراهنة ومتطلبات ما بعد الحرب، بعيداً عن المجاملات.

 

 

 

 

كذلك من التحديات الملحة ، إعادة تأهيل البنية التحتية لمراكز الشرطة من الناحية الإدارية والخدمية، والتي تأثرت بشكل كبير جراء الحرب، ما يجعل من الضروري الإسراع في ترميمها وتحديث نظم العمل بها، خاصة في ما يتعلق بمكافحة الجريمة المستوطنة والعابرة للحدود.

 

 

 

 

 

 

كما يجب تفعيل البروتوكولات الأمنية الموقعة مع الدول الشقيقة والصديقة، بما يتيح تبادل الخبرات ونقل التقنيات الحديثة، وبناء الشراكات في مجالات التدريب و المعلومات. يشكل ذلك مدخلاً أساسياً لإعادة تأهيل القطاع الأمني بما يعزز قدرته على أداء أدواره بكفاءة، ويسهم في استعادة الاستقرار.

 

 

 

 

كذلك يُعد ملف ضبط الوجود الأجنبي في البلاد أحد القضايا المعقدة التي تستوجب مراجعة شاملة للقوانين والسياسات المنظمة، بما يضمن الحفاظ على الأمن الداخلي دون المساس بمبادئ حقوق الإنسان والالتزامات السودان المتعلقة بالقوانين الدولية.

 

 

 

 

اللافت في أداء وزير الداخلية عقب تعينه هو حضوره الميداني ، وحرصه على الوجود في العاصمة الخرطوم، كمقر إقامة لأجل إدارة فعالة للعمليات الأمنية. إلى جانب قرارات تنفيذية هامة، أبرزها حزمة التنقلات التي شملت 64 عميدًا من الضباط، في خطوة تعكس رغبة واضحة في إعادة الهيكلة الإدارية وتجديد دماء القيادات. هذا الجهد المتصل يقرأ في سياق استعادة الأمن وجدية التعاطي مع القضايا الأمنية التي تنشأ عقب الحروب.

 

 

 

 

 

 

ولا يمكن تجاهل أهمية إعادة دمج الكادر البشري من قوات الشرطة الذين تمت احالتهم للصالح العام، أو خرجوا مؤقتًا عن الخدمة خلال فترة الحرب، إذ يشكّلون رصيدًا من الخبرة لا غنى عنه في هذه المرحلة الدقيقة.

 

 

 

 

يبقى التحدي الأبرز أمام وزارة الداخلية اليوم هو تعزيز الثقة بين المواطن وجهاز الشرطة، وفق معادلة جديدة، تقوم علي أهمية الشراكة المجتمعية بعودة “بسط الامن الشامل” للأحياء بجانب ضبط الظواهر السالبة بكل أشكالها وتنفيذ القانون بصرامة لدعم الاستقرار وإستعادة الأمن.

 

 

 

 

وهذا يتطلب رؤية تتجاوز المفهوم التقليدي للأمن، لتشمل حماية المجتمعات الضعيفة، وتعزيز التعايش السلمي، ودعم العودة الطوعية للنازحين، وهي الأبعاد التي بدأت الوزارة بالفعل في التعامل معها عبر اللجنة الوطنية لحماية المدنيين.

 

 

 

 

ما بين استعادة الأمن وتجويد الأداء وبناء الثقة، بحسب #وجه_الحقيقة تقف وزارة الداخلية بقيادة الوزير الفريق بابكر ابو سمرة أمام اختبار وطني صعب، لكنه ليس مستحيلًا، ما دامت هناك إرادة سياسية جادة، ورؤية مهنية واضحة، ووعي عميق بأن الأمن ليس غاية في ذاته، بل شرط أساس لبناء دولة مستقرة وعادلة.. ينعم فيها الجميع بالسلام والمساوة وحقوق المواطنة.

دمتم بخير وعافية.

الإثنين 7 يوليو 2025م Shglawi55@gmail.com

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

عبدالمحمود نورالدائم

عبدالمحمود نورالدائم – كاتب ومحلل اقتصادي واجتماعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى