بدأت هجمات قوات الدعم السريع على وسط السودان تعرقل إمداد الولايات الأخرى بالوقود، بعد الاستيلاء على مستودعات ولاية الجزيرة (وسط السودان)، وأثرت الهجمات على إمدادات الوقود في ولايات النيل الأبيض (وسط)، النيل الأزرق وسنار جنوباً، والقضارف شرقاً. وارتفعت أسعار الوقود بسرعة، ما انعكس مباشرة على توقف حركة النازحين والمسافرين الفارين من المواجهات الجديدة، في وقت أغلقت فيه المصانع التي كانت تعتمد بشكل أساسي على الوقود، أبوابها.
ووصل سعر غالون البنزين الواحد الى 100 ألف جنيه سوداني، في وقت يعاني فيه المواطنون من انعدام وسائل المواصلات والشاحنات لنقلهم إلى خارج المدينة هربا من الحرب. (الدولار يساوي 1100 جنيه).
وتقع مدينة ود مدني في وسط السودان، وتمثل حلقة وصل بين جميع ولايات البلاد، فهي المركز الرئيس لربط ولايات النيل الأبيض وكردفان ودارفور غربا، وسنار والنيل الأزرق جنوباً، والقضارف وكسلا وبورتسودان شرقاً، ونهر النيل والشمالية والخرطوم شمالاً. وتضم الولاية أكبر مستودعات للوقود بعد الخرطوم التي تقع في منطقة أم عليلة التي تبعد حوالي 12 كيلومترا شرق مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة، وتعمل هذه المستودعات على تغذية وسط السودان وغربه وجنوبه، بعد خروج مستودعات ولاية الخرطوم عن الخدمة نتيجة الحرب المشتعلة هناك.
تصاعد أزمات السودان
يقول عبد الوهاب بشير المختص في مجال النفط لـ”العربي الجديد” إنه مع خروج المحطات النفطية من الخدمة وتوقف محطة العيلفون الواقعة في شرق النيل ومصفاتي الجيلي (الخرطوم)، والأبيض (شمال كردفان)، جاءت أحداث ولاية الجزيرة في منطقة “أم عليلة” لتزيد أزمة البلاد الاقتصادية وتأخذ منحى جديدا يؤثر بشكل كامل على القطاعات.
ويلفت إلى أن المصفاة الثالثة والرئيسية في بورتسودان الوحيدة قيد العمل حالياً، بعدما سيطرت قوات الدعم السريع على عدد من حقول إنتاج النفط بإقليمي كردفان ودارفور وجميعها خرجت من دائرة الإنتاج، فيما تمت السيطرة على محطة العيلفون.
ويشرح الخبير الزراعي محمد إسماعيل أن التأثير سيمتد إلى مشروع الجزيرة الزراعي الذي يمثل رافدًا اقتصاديًّا للبلاد، وكذا الكثير من المصانع، إضافة الى منطقة المناقل الصناعية (غرب الجزيرة) وهي امتداد لمشروع الجزيرة، وتضم الكثير من المصانع وقد انتقل إليها العديد من رجال المال والأعمال بعد تدمير البنية الاقتصادية في الخرطوم، ويلفت إلى أن هذه المصانع بدأت تتوقف عن العمل وسحب بعض المستثمرين أموالهم ومصانعهم وتم تسريح العمالة بشكل مفاجئ.
ويعتبر مراقبون أن سيطرة الدعم السريع على ولاية الجزيرة سيفقد البلاد موقعاً محورياً لأنها تمثل نقطة ربط لولايات السودان المختلفة في الشمال والجنوب والغرب والشرق.
ويؤكد آدم يحيى، وهو مسؤول في مشروع الجزيرة لـ”العربي الجديد” أن المشروع يستهلك وحده حوالي 4 ملايين غالون غازولين في العام، وتوفر المستودعات حاجة أكثر من 100 ألف فدان زراعي تقع على جانبي النيل الأزرق، بالإضافة لتزويد طلبات مشروع الجنيد الزراعي، والمساهمة في تحضير أكثر من مليون فدان زراعة مطرية. كذا توجد حصة المناطق الصناعية في كل من الباقير (شمال الجزيرة)، والمناقل، والحصاحيصا، ومدني، وجميعها تحتاج للغازولين، كما يحتاج القطاع الخدمي والمركبات للوقود. ويقدر استهلاك ولاية الجزيرة من الوقود بحوالي 20 في المائة من الاستهلاك المحلي للوقود وتعتبر ثاني ولاية في معدل الاستهلاك بعد الخرطوم.
وكانت قوات “الدعم السريع” قد بدأت استهدافها لولاية الجزيرة الأسبوع الماضي، بداية من الهجوم على مصفاة الجيلي النفطية، أقصى شمال الخرطوم، قبل أن تتهم قوات الجيش بقصف مصفاة الجيلي، الواقعة على بعد 70 كيلومتراً شمال الخرطوم، للمرة الخامسة، وتدمير مستودعات “نبتة” داخل مصفاة الجيلي حيث لحقت أضرار كبيرة بوحدة التحكم وخط الأنابيب الداخلي بسبب قصف مصفاة الجيلي. والجيلي هي أكبر مصفاة للنفط في البلاد، بإنتاج يومي يبلغ نحو 90 ألف برميل، وتلبي نحو نصف احتياجات السودان من مشتقات البترول.
ويعيش مواطنو ولايات الجزيرة والنيل الأبيض وغرب السودان والنيل الأزرق وسنار تحت قلق انعدام تام للوقود بعد سيطرة قوات الدعم السريع على مفاصل الاقتصاد وإنتاج النفط، ويقول مواطنون لـ”العربي الجديد” إن اسعار تذاكر السفر تضاعفت من 7 آلاف جنيه إلى مائة ألف جنيه للفارين من الحرب إلى ولايات أخرى، وسط معاناة اقتصادية واجتماعية كبيرة بعد أن فقدت ولايات الوسط معظم الخدمات الأساسية من مياه وكهرباء واتصالات.