غياب تجهيزات العيد وارتفاع اسعار الاضاحي في السودان
العام الماضي سجلت أسعار الأضاحي في السودان في حدود (90) ألف جنيه (180 دولارًا أمريكيًا) في المتوسط، وفي أدنى المستويات بلغت (50) ألف جنيه، لكن هذا العام ومع اندلاع الحرب في العاصمة الخرطوم –إلى جانب ست ولايات تقع غربي البلاد– منذ منتصف نيسان/أبريل الماضي، وتخطيها عتبة الستين يومًا، فإن عيد الأضحى بالنسبة لمئات الآلاف الفارين من الحرب والمتأثرين بالنزاع المسلح من الناحية الاقتصادية والإنسانية، يعني “إعلان توقف الحرب” على ما يبدو.
هذا العام بلغت أسعار الأضاحي في غالبية مدن السودان ما بين (40) ألف إلى (150) ألف جنيه حسب المنطقة، مرتفعةً بنسبة كبيرة عن العام الماضي، رغم الحرب التي قللت من رغبة السودانيين في شراء الأضاحي.
انعكس انقطاع طريق “الصادرات” غربي البلاد وهو طريق حيوي لنقل الماشية إلى مناطق التصدير والاستهلاك المحلي – انعكس الوضع الأمني على هذا الطريق، ولم يعد بإمكان مئات الشاحنات المحملة بالماشية عبور هذا الطريق.
تأثيرات الحرب وصلت إلى الأسواق السعودية التي كانت تشتري من الأسواق السودانية في موسم الحج آلاف الرؤوس من الماشية طبقًا لمتعاملين، وقد تقدر الخسائر بنحو (100) مليون دولار، بسبب صعوبة حركة شاحنات الماشية إلى موانئ التصدير من غرب السودان.
ويقول محمد عبدالخالق عضو مبادرة “دنقلا بيتكم” التي تعمل في مساعدة الفارين من الحرب بمدينة “دنقلا” بالولاية الشمالية في حديث لـ”الترا سودان” إن هذا العيد يأتي في ظل حرب شردت الملايين من العاصمة وبعض الولايات. ويضيف: “قطعًا لدينا ترتيبات، ولكن حتى الآن لم نقرر بعد في كيفية التعامل مع الأضاحي بمراكز الإيواء”.
بلغ سعر خروف الأضحية في أسواق دنقلا نحو (150) ألف جنيه –ما يعادل (300) دولار أمريكي– بحسب ما يقول عبدالخالق، ويمكن أن تشهد الأسواق انخفاضًا مع قدوم العيد لأن الماشية قد تورد من مناطق الإنتاج.
حال العيد وأسعار الأضاحي في العاصمة الخرطوم لن يكونا هذا العام مثل الأعياد الماضية، في شوارع خالية من الماشية التي كانت تباع في هذا الوقت مع اقتراب هذه المناسبة الدينية، بسبب الحرب إلى جانب انتشار أعمال السلب والنهب.
وقال حيدر الذي يقطن في حي وسط أم درمان غربي الخرطوم في حديث لـ”الترا سودان” إن شارع الوادي في أم درمان اشتهر بحركة بيع خراف الأضاحي. “إذا ذهبت إلى هناك هذا العام فستجد المباني المهدمة والقوات العسكرية وأعمال النهب والحرائق التي طالت بعض المقار، باختصار لن تجد تلك الحياة المألوفة ولا حتى رائحة الأعياد” – يقول حيدر.
ويضيف حيدر: “أسعار الأضاحي في بعض المناطق بالعاصمة بلغت (140) ألف جنيه، وفي بعض الأحياء خاصةً الخرطوم بلغت ما بين (100) ألف و(180) ألف”. ويعزي ارتفاع الأسعار إلى توقف الواردات من غربي البلاد، لا سيما إقليم دارفور وإقليم كردفان، حيث تزدهر فيهما تربية المواشي.
وفي خطوة تهدف إلى تخفيف آثار الحرب، تمكن زعماء أهليون في مدينة الرهد بولاية شمال كردفان من إبرام اتفاق مع قوات الدعم السريع التي تسيطر على الطريق الرئيسي الرابط بين الخرطوم وهذا الإقليم. وقد يساعد هذا الاتفاق في انحسار أعمال النهب والعمليات العسكرية أو المخاطر الأمنية التي تلاحق سائقي الشاحنات.
وللسؤال عن الأحوال الأمنية في طريق “الصادرات” الشهير بحركة الماشية بين مناطق الإنتاج والتصدير والاستهلاك تواصل “الترا سودان” مع متعامل في تجارة الماشية بين ولاية شمال كردفان والخرطوم وصولًا إلى الموانئ الرئيسية شرقي البلاد. ويقول هذا المتعامل واسمه النعمان عبدالله إن الوضع الأمني منع نقل عشرات الشاحنات المحملة بالماشية من مناطق الإنتاج إلى مناطق الاستهلاك، لأن الطريق الرئيسي يقع تحت سيطرة عصابات النهب وقوات عسكرية تنتمي إلى الدعم السريع. وفي ظل هذا الوضع لا يمكن انتعاش حركة الماشية هذا العام، ولكن يمكن شراء الأضحية من داخل مدينة عاصمة ولاية شمال كردفان بسعر (40) ألف جنيه أي ما يعادل (80) دولارًا أمريكيًا – بحسب النعمان.
غابت تجهيزات عيد الأضحى في العاصمة الخرطوم، وكانت تسبقها تفويج الحجاج عبر مطار الخرطوم الذي وقع تحت دمار هائل بسبب القتال، إلى جانب مغادرة أغلب السكان هربًا من النزاع المسلح، كل ذلك جعل الاحتفال محصورًا في نطاق ضيق قد يكون جماعيًا في الحي لا سيما مع انتشار مشاريع “المطابخ الجماعية”.
من حي الجريف شرق العاصمة الخرطوم يحدثنا عضو في المطبخ الجماعي بالحي والذي وضع حدًا لمعاناة السكان مع إغلاقات الأسواق وانعدام السيولة النقدية بسبب توقف الأعمال وتباعد الأمل في صرف الأجور. ويقول هذا العضو لـ”الترا سودان”: “بالتكافل سنحتفل هنا بعيد الأضحى احتفالًا جماعيًا، وإذا تمكنا من جمع المال فسنشتري الخراف ونقوم بالذبح وإعداد الطعام لسكان الحي”. “هي فرصة للاحتفال معًا ومواساة الناس في هذه الحرب اللعينة” – يقول هذا العضو.
انعكس فشل وزارة المالية في صرف أجور شهرين متواليين في القطاع العام على وضع عشرات الآلاف من السودانيين، ومن بينهم آلاف الفارين من الحرب في العاصمة وست ولايات أخرى، إلى جانب سكان الولايات المستضيفة للفارين.
في مكتب حكومي صغير بمدينة القضارف شرقي البلاد على بعد (500) كيلومتر من العاصمة الخرطوم، لا يبدي حسن تفاؤلًا بشأن الحصول على راتب شهري نيسان/أبريل وأيار/مايو قبل عيد الأضحى الذي سيكون في 28 حزيران/يونيو الجاري.
يقول حسن لـ”الترا سودان” إن “أسعار الأضاحي باهظة جدًا ولا تتناسب مع وضع المواطنين الذين يعيشون ظروف اقتصادية قاسية بسبب الحرب والآثار الاقتصادية الناتجة عنها”. وأبان أن الأسعار تتراوح بين (100) ألف جنيه إلى (120) ألف جنيه أي ما يعادل (220) دولار للأعلى، رغم أن هذه الولاية منتجة للأضاحي ويطلق عليها “خراف البطانة”.
ويتوقع حسن عدم قدرة الغالبية على شراء الأضاحي في ظل هذه الأوضاع الصعبة ما لم يحصلوا على مساعدات من السودانيين بالخارج.
أما مدينة “ود مدني” بولاية الجزيرة، فلم تختلف عن بقية مدن السودان؛ ففي نظر بعض المتعاملين في هذا القطاع لا يمكن بيع الأضاحي بالأسعار المعتادة، ومع ذلك، فهناك توقعات بتدخل حكومة الولاية وتحديد أسواق مخفضة على اعتبارها أنها من الولايات الأكثر استضافة للفارين من الخرطوم.
وقال عز الدين الذي يعمل في تجارة الماشية في أسواق ود مدني لـ”الترا سودان” إن الحرب أدت إلى زيادة الأعلاف وارتفاع الطلب على اللحوم الحمراء في الولايات البعيدة عن المعارك العسكرية بسبب زيادة عدد النازحين، ولذلك فإن الأسعار ستشهد ارتفاعًا هذا العام بنسبة (40%) – أي أن خروفًا كبير الحجم سيباع بقيمة (150) ألف جنيه، وربما ستنخفض الأسعار في القرى المحيطة بالولاية، لأنها مناطق منتجة، متوقعًا أن يكون البيع بسعر أقل من (80) ألف جنيه.
لكن في بعض الأسواق القريبة نسبيًا من مناطق الإنتاج في ولاية الجزيرة المتاخمة للخرطوم، فإن أسعار الأضاحي سجلت استقرارًا ملحوظًا حسب ما ذكر عبدالباقي المتعامل في بيع الخراف بسوق مدينة المناقل وهي المدينة الثانية بعد العاصمة “ود مدني” في هذه الولاية.
ويقول عبد الباقي لـ”الترا سودان” إن الأسعار شهدت استقرارًا لأن هناك ركودًا، ولم يظهر المواطنون رغبة في شراء الأضاحي هذا العام لأسباب اقتصادية، لذلك بقيت الأسعار كما هي في حدود (65) ألف جنيه للأوزان الصغيرة و(80) ألف جنيه للأوزان المتوسطة – بحسب عبدالباقي.
ظلت أسعار الأضاحي متقاربة في مدن السودان هذا العام، ولم ترتفع كثيرًا عن العام الماضي، ومع ذلك فإن حركة البيع لن تنتعش بسبب نزوح الملايين بسبب الحرب وشلل الأسواق في العاصمة الخرطوم أكثر المدن استهلاكًا بسبب عدد السكان.
يطل عيد الأضحى على السودانيين هذا العام وأغلبهم في وضع اقتصادي يفتقرون فيه إلى السيولة النقدية مع فقدان مصادر الدخل والأعمال الخاصة.
توضح المحللة الاجتماعية إيمان حسن في حديث لـ”الترا سودان” أن الشعور بالعيد يرتفع إذا كان المجتمع يشعر بالأمان الجسدي والمالي، وبما أن العاملين غير متوفرين على الأقل في العاصمة الخرطوم وبعض الولايات فلا يمكن الحديث عن العيد هذا العام – تقول هذه المحللة.
وترى إيمان حسن أن السودانيين رغم الظروف الحالية لديهم “حلول اجتماعية”، مثل الاحتفال الجماعي في الأحياء أو الاحتفال بين المجتمعات المستضيفة والقادمين من العاصمة، وهذا سيقلل –بحسب إيمان– من الآثار الاقتصادية لأسعار الأضاحي لا سيما وأن بعض الفارين لديهم القدرة على شراء الأضاحي.