الراى السودانى
يبدو أنّ الشرطة لن تسلم يومياً من مدفعية وقصف رُوّاد مواقع التواصل الاجتماعي لها، الانتقادات المُكثّفة جاءت على خلفية شكاوى مُتعدّدة من المواطنين وتنديدهم بحالات الانفلات الأمني التي تشهدها العاصمة الخرطوم من عمليات اختطاف ونهب لممتلكات المواطنين من قِبل عصابات، آخر تلك الجرائم كانت حادثتا مقتل طالب جامعة أمدرمان الإسلامية ووكيل محطة ” أويل إنرجي” للوقود بأمدرمان. المواطنون المنددون بتلك الحوادث، عزوا حالة الانفلات الأمني إلى تراخي الشرطة في فرض الأمن وحسم تلك الظاهر، ولم تَمضِ أيّامٌ قليلة على تلك الحوادث، حينما فجّر حديثٌ لمدير شرطة ولاية الخرطوم الفريق عيسى آدم إسماعيل، طالب فيه بعودة قانون النظام العام، كوسيلة لبسط الأمن وحفظ عادات المجتمع، فجّر غضب ناشطين بمواقع التواصل الاجتماعي، غير أن وزارة الداخلية تدخّلت سريعاً وحاولت إخماد النيران التي أشعلها حديث مدير شرطة الخرطوم بتأكيدها أنّ قانون النظام العام، لن يعود بأي صورة من الصور، لكنها اصطدمت بالمطالبات المتعددة بإقالة مدير شرطة الخرطوم.
سرية تامة
وقالت مصادر شرطية ل(الصيحة)، إن وزير الداخلية بدا غاضباً على حديث مدير شرطة ولاية الخرطوم الذي طالب فيه بعودة قانون النظام العام، وبشأن إن كانت وزارة الداخلية قد استوضحت مدير شرطة الخرطوم حول حديثه، نفت المصادر علمها بالأمر، وأكّدت أنّ الإجراءات الإدارية الداخلية تتم في سرية تامة، وحول ما أُثير من أنباء بمواقع التواصل الاجتماعي عن استقالة مدير شرطة الخرطوم، قالت المصادر إنه ليس لديها علمٌ بالخطوة.
وكان مُدير شرطة ولاية الخرطوم، قد طالب بعودة قانون النظام العام، كوسيلة لبسط الأمن وحفظ عادات المُجتمع، ما فجّر عليه حملة اسفيرية غاضبة قادها ناشطون بمواقع التواصل الاجتماعي.
وصَوّبت جماعات حقوقية وناشطون، انتقادات لاذعة ضد مدير شرطة الخرطوم، وطالبوا بتنحيته بعد حديث تلفزيوني دعا فيها لإعادة العمل بقانون النظام العام الذي أُلغي في 29 نوفمبر 2019، بعد عزل الرئيس السابق البشير.
وقال إسماعيل في حوارٍ بثّته فضائية “الجزيرة،” أمس الأول “إنّ غياب قانون النظام العام أسهم في تَصَاعُد التفلُّتات الأمنية والفوضى”، وأضاف: “بعد إلغاء قانون النظام السابق ظهرت عدة ظواهر سالبة، نتجت عن تفسير الناس للحُريات المُتاحة بطريقة خاطئة”، وتابع: “نُطالب بعودة قانون النظام العام، وهو قانون ضبط اجتماعي لسلوك المجتمع في الشارع في لبسه وتعامله”، وأشار إلى أنّه يُمكن تغيير اسم القانون على أن يُطبق وفق شعارات الثورة المتمثلة في الحرية والسلام والعدالة، وأضاف: “لا نتدخّل في الحرية الشخصية، لكن إذا ظهرت في الشارع العام بمظهر غير لائق يثير حفيظة الآخر، فهذه ليست حرية”.
جبهةٌ عريضةٌ
بالمُقابل، صوّبت الناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي آمال الزين، انتقادات عنيفة لمدير شرطة ولاية الخرطوم، وقالت إنه حديثه يؤكد أن الشرطة لديها خُططها سواء (أفراد أو مجموعات)، في إعادة سياسات النظام البائد، واستدلت على حديثها بسماح الشرطة بقيام تظاهرات بقايا النظام المخلوع وقمع تظاهرات الثُّوّار، بجانب عَدَائِها للنساء والشباب وعدم قيامهم بحماية المُواطنين في الشوارع والمنازل وعدم حماية حقوقهم، وأضافت “العصابات أصبحت تدخل للناس في منازلهم”، وقالت إنّ حديث مدير شرطة الخرطوم لَم يَأتِ من فراغٍ، وإنّما لفرض سياسة الأمن مُقابل الردة أو الأمن مقابل العسكر، وطالبت بإقالة مدير شرطة الخرطوم فوراً، وأضافت “المجموعة الحاكمة من أحزاب وعسكر ومجلس الوزراء والسيادي لو عندها 1% من الحس الثوري يجب أن تقيل مدير شرطة الخرطوم وأيِّ شخص يُؤيِّد سياسات النظام المخلوع”، وأشارت آمال في حديثها ل(الصيحة) إلى أن قانون النظام العام وقانون الأحوال الشخصية ومواد العرض في القانون الجنائي كانت تمثل أدوات لقَهر النِّساء في النظام المَخلوع ومنعهم من التحرُّك في العمل السياسي، وطَالَبَت بتكوين جَبهةٍ عَريضَةٍ من القانونيين والسِّياسيين والنَّاشطين والمَجموعات النّسوية لحماية الحُقُوق والحُريات، وقالت إنّ السلطة الحاكمة منذ تولِّيها لمهامها باتت الحقوق والحريات في خطر، مؤكدة أن التغوُّل على الحريات والحقوق مُستمرٌ وسيستمر، ودعت النساء بكل تنظيماتهن للتصدي للمُساءلة والمُطالبة بإقالة مدير شرطة الخرطوم فوراً.
مُساءلة وحسم
في المنحى ذاته، أكّدت وزارة الداخلية، التزامها بمُعطيات المرحلة بكل أجهزتها مع إرادة الشعب نحو التغيير وإرساء قواعد الدولة المدنية التي تحتكم لسيادة القانون، وشدّدت الداخلية في بيانٍ على عَدم وُجود أيِّ اتجاه لإعادة إنتاج تَشريعات تواضُع الشعب على رفضها باعتبارها مُقيِّدة للحريات العامّة ولا تتّفق مع مطلوبات التغيير وعلى رأسها قانون النظام العام، مُؤكدة أنه لن يعود بأية صورة من الصور، وأشارت إلى أنه تم رصد أصوات تنادي بفرض بعض الأحكام وتنفيذها بواسطة أفراد أو جماعات، مُؤكِّدة رفضها لهذا الأمر وهو نهجٌ مرفوضٌ، وشدّدت على أنّ فرض أيِّ نظم أو عقوبات تنفذ بعيداً عن الأجهزة العدلية المُختصة يُعد أمراً غير قانوني يستوجب المُساءلة القانونية وسنتصدّى له بالحسم والحزم اللازميْن، وكشفت الداخلية عن إصدارها توجيهات بضبط الخطاب الإعلامي وفقاً للمُوجِّهات وفقاً للوائح الصادرة من الوزارة ورئاسة الشرطة، مُوضِّحة أن مسؤولية الأمن المجتمعي من أهم أولويات وزارة الداخلية التي تؤدي أعمالها وفقاً للوثيقة الدستورية والقوانين السارية.
مزبلة التاريخ
في السياق ذاته، أكد الخبير القانوني نبيل أديب أن قانون النظام العام ذهب إلى مزبلة التاريخ ولن يعود.
وقال أديب بحسب صحيفة الجريدة: “لا أُؤيِّد حديث مدير الشرطة وقانون النظام العام ذهب إلى مَزبلة التاريخ ولن يَعُود”، وأشار إلى أن التعديلات التي تمّت بعد الثورة لم تقتصر على قانون النظام العام، وإنّما حزمة من القوانين القمعية التي كان الغرض منها تخويف المُواطنين وإرهابهم حتى يقبلوا الاعتداء على حُقُوقهم، وأردف “لذلك أصبح المُواطنون ينظرون للشرطة كعدوٍّ لأنّها كانت تقمعه لأسبابٍ بسيطة”، وراهن على القوانين لعلاج التفلُّتات التي حدثت بدلاً من الكبت والعودة لقانون النظام العام، وأكد أنّ الأصل في القوانين احترام حريات وحقوق المواطنين وليس إخافتهم.
الصيحة