متابعات-الراي السوداني-أثارت التصريحات الأخيرة لوكيلة وزارة العدل السودانية ورئيسة القطاع القانوني، هويدا علي عوض الكريم، جدلًا واسعًا في الأوساط القانونية والسياسية، وسط مخاوف من أن تؤسس هذه التصريحات لسوابق خطيرة في بلد أنهكته الحرب والصراعات.
وكشفت عوض الكريم عن تلقي وزارتها تقارير رسمية من ولاية الخرطوم، تؤكد العثور على كميات ضخمة من الممتلكات المنهوبة داخل مخازن، تضمنت أنابيب غاز وثلاجات وشاشات وأصنافًا أخرى. وأوضحت أن طريقة التعامل مع هذه الممتلكات اختلفت بين الولايات، إذ اعتبرتها بعض الولايات “مهملات”، بينما قامت ولايات أخرى ببيعها وتحويل عائداتها لصالح صندوق التعويضات.
وأعلنت وكيلة العدل أن الوزارة أحالت هذا الملف إلى المحامي العام لاستصدار فتوى قانونية ملزمة، تهدف إلى توحيد الإجراءات المتعلقة بهذه الممتلكات على مستوى السودان، مؤكدة أن الملف يخضع لدراسة دقيقة ضمن الأطر الوطنية والدولية.
تحذيرات من شرعنة النهب
إعلان الوزارة عن الفتوى المرتقبة أثار عاصفة من الانتقادات، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي وبين أوساط الحقوقيين والخبراء القانونيين، الذين أعربوا عن قلقهم من أن يؤدي هذا التوجه إلى شرعنة النهب بدلاً من محاسبته. وتساءل العديد منهم عن الجهة المالكة لهذه الممتلكات قانونيًا، وطالبوا بتوضيح الأسس التي يتم بموجبها تصنيفها كمهملات.
النهب جريمة حرب بموجب القانون الدولي
وفي تعليق قانوني بارز، شدد المحامي المعروف ساطع الحاج في حديثه لـ”العربية.نت” على أن النهب لا يعد جريمة داخلية فحسب، بل يصنف كجريمة حرب وفق القانون الدولي الإنساني، مستشهدًا بالمادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
وأشار الحاج إلى أن القانون الجنائي السوداني يفرض عقوبات صارمة على جرائم النهب، مؤكدًا أن تملك الدولة للممتلكات المنهوبة أمر لا يجوز قانونًا. وأضاف أن التعامل مع هذه الممتلكات يجب أن يتم عبر لجان وطنية متخصصة تعمل على إرجاعها لأصحابها الشرعيين، ومحاسبة كل من يثبت تورطه في أعمال النهب.
دعوات إلى رؤية متكاملة لحل الأزمة
ورأى الحاج أن الاقتصار على استصدار فتوى قانونية لن يكون كافيًا لمعالجة تعقيدات هذا الملف، داعيًا إلى تبني رؤية وطنية شاملة مستوحاة من تجارب دولية ناجحة مثل البوسنة والهرسك، رواندا، سيراليون، وليبيريا، التي أنشأت لجانًا مستقلة لإعادة الممتلكات المنهوبة إلى أصحابها بعد النزاعات.
كما أشار إلى تجربة العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، حيث تم إنشاء لجان لاسترداد أموال وممتلكات الدولة بطريقة قانونية ومنظمة، دون تصنيفها كممتلكات مهملة أو عرضها للبيع.
وفي ختام حديثه، حذر الحاج من أن أي محاولة لبيع الممتلكات المنهوبة ستؤدي إلى موجة معارضة شعبية حادة، وستزيد من معاناة المواطنين الذين فقدوا ممتلكاتهم خلال الحرب.
ويشهد السودان منذ اندلاع النزاع بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، حالة من الانهيار المؤسسي والفوضى الأمنية، صاحبتها عمليات سلب ونهب واسعة النطاق طالت الممتلكات العامة والخاصة، خاصة في العاصمة الخرطوم وعدد من الولايات، مما خلق أزمة قانونية وأخلاقية متفاقمة لا تزال تلقي بظلالها على المشهد السوداني حتى اليوم.