السيد رئيس مجلس السيادة الانتقالي القائد العام للقوات المسلحة
الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان عبد الرحمن
أرجو الاطلاع على هذا الدفق وقد عنّ لي أن أسطره لسعادتكم في ذكرى قرارات الرابع من رمضان 1999م..
تقبلوا سعادتكم فائق الشكر والتقدير والامتنان.
السيد الرئيس القائد العام
يذكر أهل السودان جداً والعهد قريبٌ ولما يتطاول وقد خلت من شهر رمضان المبارك في العام 1998م ثلاث ليالٍ وأربعة أيام حسوماً ما عُرف في التاريخ السياسي السوداني (قرارات الرابع من رمضان) أو المفاصلة.. المقصود بقرارات الرابع من رمضان (ويكيبيديّاً) تلك القرارات التي أعلنها الرئيس البشير (فرّج الله كربته) ذلك اليوم منهياً نفوذ الدكتور حسن عبد الله الترابي (وتمدّده) وهو ما عده البشير بعاميتنا (الفصيحة) أنه (ترييساً وتتيسياً).. أما المفاصلة فتعني المفاصلة ما بين الرئيس والأب الروحي للحركة الإسلامية وعرّاب انقلابها في يونيو 1989م ما نتج عنه انقسام المؤتمر الوطني ونشوء المؤتمر الشعبي كحزبٍ جديدٍ ظهر (مغاضباً)..
حتى أن الهالك جون قرنق قد أطلق تصريحاً طريفاً يومها بقوله (سمعنا أن الثورة تأكل بنيها أما أن تأكل أباها فهذا ما لم نسمع به).. لقد كان لهذه القرارات مردودها على الواقع السياسي والأمني والعسكري السوداني فقد خرج من حلف الحكومة من كانوا بالأمس القريب جزءاً أصيلاً منها فانضموا للمعارضة (الضعيفة) فانتعشت روحاً وارتعشت أوصالاً..
وتمايزت صفوف الحزب (الكبير) وتراصت يمنةً ويسرةً (شعبي ووطني ووطني وشعبي) ولكن عصم الله السودان من أن يشهد حريقاً من خلال هذه المفاصلة ولم تغادر المفاصلة (ساء السياسة) لتنزلق (لحاء الحرب) ومرت عاصفتها برداً وسلاماً على الأقل (مؤقتاً) حيث يرجّح كثيرون تمرد دارفور لأفكار المؤتمر الشعبي وما عرف (بالكتاب الأسود).. هذه الجزئية الأخيرة سعادتكم ليست محورية وأنا اكتب هذه الأسطر فالمجال هنا ليس مجال التشريح والبحث والتمحيص وسبر الأغوار في هذا الاتجاه ولكنى استلهم ذكرى هذه المناسبة التي تمر اليوم لهذا المقال
السيد الرئيس القائد العام
لقد جاءت المفاصلة في ذلك التوقيت ولم أكن بعيداً عن دوائر صنع القرار وهياكل السلطة السياسية بحكم عملي رغم أنني كنت بدورة قادة وأركان بكلية القيادة والأركان ولكن لم انقطع عن المرور على بيت الضيافة والتقي بالضباط المناوبين مع الرئيس أو التقي بالعقيد الركن حينها تاج السر عبد الرحمن قائد الحرس الرئاسي..
والرجل شاهدٌ على العصر ومخزونٌ كبيرٌ (للأسرار والخبايا) وفوق هذا هو محدّث جيد يأتيك بالأنباء فيرويها بقالبه الخاص مضفياً عليها سخريته المعهودة وقد قال لي في المفاصلة هذه ما لم يقله (مالكٌ في الخمر)..
لكن تظل بعد التفاصيل الدقيقة والحساسة طي الكتمان ولو مر الزمان فليس كل ما يعرف يقال وإن كان البعض يعتقد أن مرور عشرات السنين يكفي للحديث والبوح بكل شيء ولكن لست من أنصار هذه المدرسة
السيد الرئيس
لا تخفى عليكم شخصية الرئيس البشير (وحميّته) الموغلة في السخونة المتشرّبة بخلفيته المناطقية والقبلية وقد عُرف بها حتى أن دوائر من انقسموا عنه بعد مفاصلته لهم كانوا يتندرون بأنه (عسكري جعلي) سرعان ما سيبرد بعد حين فهو (فوران مؤقت)..
لقد جاءت قرارات الرابع من رمضان بقلم الرئيس البشير وبتوقيعه وهو (بكامل قواه العقلية) تمرداً على السياسيين الذين يراهنون على أن العسكريين يمكن أن يطوّعوا وينقادوا وبالتالي يمكنهم تمرير ما يريدون تمريره بكل سهولة ويسر وأن الفوران ليس (أندروس فقط)..
لقد زجّ الرئيس البشير بالدكتور الترابي في غياهب السجن وأرسل جنرالاً ملء السمع والبصر ليغلق المجلس الوطني (بالضبة والمفتاح) فلا سياسة أو برلمان (يطق الحنك) ويتحدث في كل شيء متجاوزاً (حمر الخطوط) والسياسيون في غيهم يعمهون على الرغم من أن الرجل مد حبال الصبر.. فقد أرادوا أن يبتلع الحزب الدولة فتكون الدولة دولة الحزب والحزب حزب الدولة فينغمس الحزب في العمل التنفيذي في كل الوزارات السيادية ويصبح الوزراء (شكليون)..
فلم يقبل الرجل وهو عسكري قح هذه (الخرمجة السياسية) ما يؤكد أنه لم ينتصر حينها لذاته بل انتصر للمؤسسية وأنقذ الدولة من تغوّل حزبها ولو كان هذا الحزب هو حزب الحكومة ولم تعجبه (لخبطة الكيمان).. هذا لعمري يحسب للرجل ضمن كثير جداً في قائمة ما يحسب له وإن حاول معارضوه تغبيش صورته وطمس بياض سيرته وسريرته فكل السودان كان قبيل التغيير يقول بأن البشير (رجل طيب) وأن من حوله هم سبب البلاء والوباء..
السيد الرئيس
أريدك في هذه الذكرى أن تمعن النظر في موقفك من الرئيس البشير القائد الأعلى السابق للقوات المسلحة والذي لا يزال في موقعه وخانته يوم 17 أبريل 2019م وقد أمرت بنقله من الإقامة الجبرية ببيت الضيافة إلى محبسه بسجن كوبر غير بعيد من حيّه الذي نشأ وترعرع فيه.. لا يزال ذات الموقف وقد جرت تحت جسر السياسة والحرب كثيرٌ الماء وغزيرٌ من الدماء وهطلٌ من الدموع دونما ان يدفعك ذلك لإعادة النظر والقراءة في هذا الموقف وكل المسوغات الموضوعية والحجج المنطقية والمتغيرات تقول بضرورة ذلك وحتميته..
الرئيس البشير ليس خصمك السياسي (اللدود) شأنه في ذلك شأن من ركبوا على ظهر الثوار وجيّروا الثورة لصالحهم فموقفهم معلومٌ مفهومٌ فهم في خانة العداء السياسي للرجل وإن أطعمهم المن والسلوى وأسال على أفواههم عسل السدر والجبل..
علاقتك بالرئيس البشير علاقة ضابط بالقوات المسلحة بقائده الأعلى وهذه العلاقة (تعصمك) تماماً في تفسير أي موقف أو قرار يصدر عنك تجاهه فيضعك في خانة (الكوزنة والفلولية).. رمزية الرجل ورتبته تكفي لأن يتلقى معاملة أكرم من تلك التي يتلقاها ولا يزال (رهن القيد) ليس حراً في أن يذهب حيث يشاء ليقضي ما تبقى من حياته كما يشاء دون (الحبس المفتوح) هذا..
لقد خدم الرئيس البشير القوات المسلحة والوطن طيلة أربعين عاماً من عمره بضمنها سنوات قتال مستميت وشرس ضد التمرد لينعم السودان بالأمن والاستقرار وهذا يشفع له أيما شفاعة في أن يفسّر كل ما قام به لاحقاً ومن منظور سياسي في إطار (الاجتهاد البشري) القابل للخطأ والصواب على الرغم من أنه قدّم الكثير للبلاد من خلال ثلاثة عقود قضاها بالسلطة.. هذا غير ان (الجرائم السياسية) لا يحاكم عليها مطلقاً ولا يمكن أن يكون (كيكل) أفضل من البشير مع البون الشاسع في المقاربة ولكن الشئ بالشئ يذكر وقد ولغ الأول في دماء أهل الجزيرة ثم رفع يده عن التمرد ليصبح مقاتلاً في حلف القوات المسلحة مستمتعاً (بالعفو السياسي) ويمنع البشير من ذلك
السيد الرئيس
أطلق سراح الرئيس البشير وقد مكث في محبسه ست سنوات كاملات متنقلاً ما بين المحاكم (العبثية) والسرير الأبيض وقضبان السجن وعايش مع قوات منطقة أم درمان فصول قاسية من حرب الكرامة وتقاسم مع الجنود والضباط ونزلاء المستشفى وجبة العدس وبليلة (العدسي) وشهد من رأوه أنه يقف في صف تناول الوجبات ويرفض أن يتقدّم الآخرين واستقبل معهم الدانات والمسيرات..
أطلق سراحه والرجل تجاوز الثمانين عاماً ودخل في العقد التاسع من العمر ولن يشكّل الرجل تهديداً لفترتك الانتقالية (الرابعة) ولن ينشئ حزباً سياسياً ليترشح منافساً لخصومه في مقبل الانتخابات.. فالبشير 2025م ليس هو ذات البشير الذي قال لك فجر الحادي عشر من أبريل 2019م وأن تخطره بقرار القوات المسلحة بالتغيير (على بركة الله ابقوا عشرة على البلد وعلى الشريعة الإسلامية)..
أطلق سراحه اليوم مستجيباً لوساطة رئيس جنوب السودان سلفاكير (النبيلة) وهو يذكر الرجل بخير ويقول لك بالحرف الواحد بأن البشير ( قائدنا ورئيسنا) ولا يستحق هذه المعاملة لكنه لم يخرج منك بوعد ولا التزام
أطلق سراحه اليوم مستجيباً لطلب الرئيس اليوغندي يوري موسيفيني وقد قال لك أن البشير لا يستحق ما يلقي من تعامل وأيّاً كان المبلغ – الذي أصدرتم بسببه قراركم بتحويله لزنزاته بكوبر التي لم يكن بها مرفق صحي يليق – فإن ما أحمله معي في رحلاتي لا يقل عن ذلك فهو رئيس دولة
أطلق سراحه اليوم مستجيباً لأصوات كثيرة في المحيط العربي والإقليمي طلبت ذلك (وألحّت) في الطلب وأرسلت للرجل تطلب منه أن (يطلب ما يشاء) فقال لهم بالحرف الواحد (أنا فرد وليس لي أي طلبات ما أرجوه أن تعينوا الرئيس للقضاء على التمرد أولاً فنحن متفقان في هذا) وقد فعلوا لعمري حباً وكرامةً له
أطلق سراحه مستلهماً تمرده على السياسيين في مثل هذا اليوم من العام 1999م وتمرّد على عداء قحت وأخواتها ومشتقاتها للرجل التي كنت تحسب لها حساباً يوم أن خرجت في زينتها 2019م.. فقحت وأخواتها اليوم هي نسخة المليشيا السياسية التي تقود حرباً ضدها بنفسك ولن يضيرك من (كل النواحي) قرار كهذا في حق الرجل..
أطلق سراحه سيدي الرئيس اليوم وإن جاء قرارك متأخراً ست سنوات ولن يضيرك شيء.
اللواء الركن (م)
أسامة محمد أحمد عبد السلام