للحقيقة لسان
رحمة عبدالمنعم
الفاشر..حصن الصمود
الفاشر حاضرة دارفور التاريخية، لا تزال تقف كشجرة باسقة في مواجهة أعاصير الفوضى والدمار، على مدار شهورٍ طويلة من محاولات اقتحامها من قِبل مليشيات الدعم السريع، كتبت المدينة ملاحم بطولية تفوق الخيال، مجسّدة روح الصمود التي طالما اتسمت بها هذه الأرض العريقة
تحوّلت الفاشر إلى ساحة معركة مفتوحة، حيث تكاتفت القوات المسلحة والقوى المشتركة من حركات دارفور للدفاع عنها بأسلحةٍ وأرواحٍ ملتهبة بالإيمان بالحق، تمكن هؤلاء الأبطال من صد الهجمات المتتالية التي استهدفت المدينة ،فقد سقط الآلاف من المرتزقة الذين حاولوا اجتياحها، فيما أُبيدت أبرز القيادات العسكرية للمليشيات على أسوارها.
كانت المعركة أكثر من مجرد قتال تقليدي؛ لقد كانت اختبارًا حقيقيًا لإرادة شعبٍ قرر أن يحمي إرثه، كرامته، ومستقبله ،فرغم الحصار ونقص الإمدادات، استطاع المدافعون عن الفاشر أن يجعلوا منها حصنًا عصيًّا على السقوط
لم تكن المرأة الفاشرية غائبة عن هذه الملحمة ،على العكس برزت نساء الفاشر في مشهدٍ استثنائي وملهم، حيث حملن السلاح بجانب الرجال وشاركن في الدفاع عن مدينتهن، تجسدت الميارم في أبهى صور التضحية والشجاعة، معيدات إلى الأذهان نساء الحقب التاريخية اللواتي خضن المعارك جنبًا إلى جنب مع الرجال
لم يكن دور النساء مقتصرًا على المواجهة المباشرة فقط، بل كنّ أيضاً خلف خطوط الدفاع، داعماتٍ معنويًا ولوجستيًا، ومسعفاتٍ للجرحى، وزارعاتٍ للأمل في قلوب الجميع. لقد أثبتت المرأة الفاشرية أن الدفاع عن الأرض ليس حكرًا على أحد، بل مسؤولية جماعية تعني كل من ينتمي لهذه الأرض
لا يمكن الحديث عن الفاشر دون استحضار إرثها التاريخي كعاصمة لسلطنة دارفور ،هذه الأرض التي لطالما كانت مركزًا للحضارة، وملاذًا للكرامة، وجسرًا للتواصل بين الثقافات، وفي معركة اليوم أثبتت المدينة أنها لم تفقد إرثها، بل أضافت إليه صفحات جديدة من المجد
لقد أصبح صمود الفاشر رمزًا لمعركة أكبر يخوضها السودان بأكمله، معركة إثبات الهوية، وصون الوحدة الوطنية، ومواجهة قوى التشرذم والارتزاق
ملحمة الفاشر تحمل في طياتها دروسًا عظيمة عن قوة الإرادة الشعبية حين تتسلح بالإيمان بالحق والعدل ،هي رسالة لكل سوداني بأن الوطن لا يُحمى بالكلمات، بل بالتضحيات ،كما أنها شهادة حية على أن أهل دارفور، ورغم كل المآسي التي مروا بها، لا يزالون يحملون في صدورهم روحًا لا تنكسر، وعزيمة لا تلين
ستبقى الفاشر شامخةً،حاضرةً في ذاكرة الأجيال كمثال للصمود الأسطوري في وجه الظلم والعدوان تلك المدينة التي أراد الأعداء أن يجعلوا منها درسًا في الضعف، حوّلت هي الدرس إلى ملحمة خالدة عن المقاومة والكرامة،تحية إجلالٍ لكل من سطّروا بدمائهم هذه الحكاية، رجالاً ونساءً، وجعلوا من فاشر السلطان حصنًا منيعًا ودرعًا صلبًا يحمي إرث السودان ومستقبله.