إقتصاد

عودة البنك الدولي للسودان.. تمويل ضخم وسط جدل ومخاوف اقتصادية

عودة البنك الدولي للسودان.. تمويل ضخم وسط جدل ومخاوف اقتصادية

أعلنت بعثة رفيعة من البنك الدولي، وصلت إلى وزارة المالية في بورتسودان مطلع ديسمبر، استئناف التعاون المالي مع السودان لأول مرة منذ 2021، عبر محفظة تمويل تُقدر بـ540.2 مليون دولار، موجهة لمشروعات تحددها الحكومة السودانية.

وتُعد هذه العودة واحدة من أهم الخطوات الدولية المؤثرة في المسارين الاقتصادي والإنساني منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، مع ترجيحات بزيادة التمويل لاحقاً إلى نحو 700 مليون دولار.

تمويل إنعاشي في اقتصاد منهار

يأتي هذا التطور في وقت يواجه فيه السودان أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه الحديث؛ إذ قدّر البنك الدولي في تقارير سابقة أن الفقر قد يطال 71% من السكان إذا استمر النزاع. الحرب أدت إلى نزوح الملايين، وانهيار المؤسسات، وتوقف البنية الإنتاجية، وانكماش اقتصادي غير مسبوق، مما جعل العودة إلى التمويل الدولي ضرورة ملحّة للسلطات.

تاريخ متذبذب للعلاقة مع البنك الدولي

بدأ التعاون بين البنك والسودان في ستينيات القرن الماضي عبر تمويل مشاريع زراعية وبنى تحتية. لكن تراكم الديون في نهاية الثمانينيات أدى إلى توقف القروض وتحول الدعم إلى استشارات فنية. وبعد 2019، عاد التمويل جزئياً لدعم برامج الإصلاح، أهمها مشروع “ثمرات” الذي لم يحقق الأثر المأمول، قبل أن يُجمّد التمويل عقب إجراءات أكتوبر 2021.

أين ستذهب الأموال؟

تشمل أولويات المحفظة التمويلية قطاعات تضررت مباشرة بالحرب:

إعادة إعمار الطرق والجسور

تشغيل المستشفيات والمراكز الصحية

تأهيل شبكات الكهرباء والمياه

دعم التعليم وعودة المدارس

تمويل الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي

خدمات أساسية للمناطق الأكثر تضرراً

وحددت الحكومة آليات رقابة مشتركة لضمان الشفافية ومنع تسرب التمويل لأغراض سياسية، في خطوة يراقبها الداخل والخارج عن كثب.

آمال شعبية كبيرة… ومخاوف سياسية واقتصادية حاضرة

رغم التفاؤل الذي أثارته عودة البنك الدولي، خصوصاً لدى الفئات المتضررة من انهيار الخدمات الصحية والكهرباء والزراعة، إلا أن الجدل لم يهدأ. خبراء اقتصاديون حذروا من أن التمويل قد يكون جزءاً من صفقة سياسية إقليمية مرتبطة برؤية “الرباعية” الدولية لإعادة تشكيل النفوذ في السودان، وليس مجرد دعم إنساني.

كما أبدى متخصصون مخاوف من قدرة مؤسسات الدولة الحالية على إدارة التمويل بكفاءة، وسط ضعف مالي وإداري ورقابي، وذاكرة شعبية مشبعة بتجربة سابقة اعتُبرت مؤلمة، حين ارتبطت وصفات البنك الدولي بسياسات تعويم العملة ورفع الدعم دون بناء شبكات حماية اجتماعية.

تجربة “الإصلاح الاقتصادي”.. شبح الماضي يلوح مجدداً

يرى محللون أن تجارب البنك الدولي تجاهلت البنية المؤسسية الهشة، وطبقت نماذج إصلاح مناسبة لدول مستقرة، بينما يعيش السودان حروباً داخلية وتقلبات سياسية. فكانت النتيجة تضخمًا متسارعًا، تراجع الجنيه، واتساع رقعة الفقر، دون معالجة الفساد أو إصلاح الجهاز الحكومي وتعدد أسعار الصرف.

بين الفرصة والمخاطرة.. مرحلة مفصلية

تُعد عودة البنك الدولي منعطفًا لمرحلة إعادة بناء الدولة أو تكرار إخفاقات سابقة. فنجاح التمويل مرتبط بـ:

استقرار مؤسسات الحكم

الرقابة الصارمة على المال العام

منع التدخلات السياسية

إشراك المجتمع المحلي والمختصين

وفي ظل المشهد الاقتصادي الهش، يقف السودان أمام اختبار جديد: هل تتحول عودة البنك الدولي إلى نقطة انطلاق نحو التعافي، أم تتكرر سيناريوهات الإصلاح المؤلم الذي يدفع المواطن ثمنه؟

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

الوليد محمد

الوليد محمد – صحفي يهتم بالشؤون المحلية والإنسانية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى