الخرطوم- بعد أكثر من 4 أشهر من اختفائه، تصاعد الجدل في السودان بشأن مصير قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، الذي بات يكتفي بتسجيلات صوتية ومصورة، في حين يؤكد مستشاروه أنه في كامل عافيته ويقود قواته بنفسه، وأن ظهوره المباشر مرتبط بتقديرات أمنية.
وتكشف مصادر أمنية عن أن حميدتي كان يتحرك عبر موكب صغير من المركبات القتالية في مناطق مختلفة بولاية الخرطوم خلال الأيام العشرة الأولى التي تلت اندلاع القتال في العاصمة منتصف أبريل/نيسان الماضي.
وتقول المصادر للجزيرة نت إن السلطات رصدت حميدتي قرب مقر القيادة العامة للجيش والقصر الرئاسي وسط الخرطوم، وفي منطقة “الخرطوم2” الفاخرة، ثم في حي الراقي وضاحية الرياض ومزارع في منطقة شرق النيل، قبل أن يختفي في الأسبوع الأخير من أبريل/نيسان الماضي.
ولم تؤكد أو تنفي -المصادر ذاتها- إصابة حميدتي في قصف استهدف موكبه، وتقول إنه ليست لديهم معلومات عن هذا الشأن.
وتضيف أنه -حسب رصدهم- فإن حميدتي لم يظهر بصورة مباشرة على أية وسيلة إعلام منذ نهاية أبريل/نيسان الماضي، سوى في 17 تسجيلا صوتيا نُسبت إليه، وتسجيلين مصورين؛ الأول كان حوله مجموعة من قواته، والآخر الخميس الماضي يوجّه فيه خطابا إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، وشكك مختصون فيها جميعا وقدروا أنها تمت معالجتها فنيا أو باستخدام الذكاء الاصطناعي.
تفاصيل استهداف “حميدتي”
يروي اللواء المتقاعد في جهاز المخابرات العامة بدر الدين عبد الحكم حسن أن حميدتي أصيب إصابات بالغة في استهداف مباني هيئة العمليات، التابعة لقواته في جنوب شرق مطار الخرطوم الدولي.
ويكشف حسن في تصريح للجزيرة نت عن أن حميدتي كان في حينها يتحرك بموكب قرب مقر قيادة الجيش متجها إلى مقر هيئة العمليات في ضاحية الرياض الذي يوجد فيها بعض كبار قيادات قواته، وأجرى أحد حراسة اتصالا هاتفيا مع شقيقة حميدتي في منطقة الخرطوم بحري؛ مما أدى إلى تحديد موقعه وقصفه بالطيران المقاتل.
ويوضح أن حميدتي أصيب في القصف الجوي بإصابات بالغة، وقتل وأصيب عدد من طاقم حراسته، ونُقلوا إلى مستشفى الساحة القريب من مقر هيئة العمليات، حيث تم إخراج كل المرضى من المسستشفى لاستقبال قائد الدعم السريع والمصابين معه.
ويقول حسن إن حميدتي نُقل بعدها من مستشفى “الساحة” إلى مستشفى “شرق النيل” في شرق العاصمة، حيث خضع لعمليات جراحية.
ويضيف أن المعلومات التي حصل عليها من أطباء في المستشفيين تؤكد أن حميدتي أصيب في الصدر والرئتين وعينه اليسري، بالإضافة إلى كسرين في أعلى السلسلة الفقرية ومنتصفها، وقطع في فخذه الأيمن.
ويقول اللواء المتقاعد -نقلا عن الأطباء الذين تحدثوا إليه- أن العمليات الجراحية التي خضع لها حميدتي أدت إلى بتر رجله اليمنى من الساق، وإزالة عينه اليسري التي أصابتها رصاصة خرجت قرب موضع أذنه اليسرى، وأنه كان يتنفس عبر جهاز صناعي.
ورجح الأطباء أن يؤدي الكسران في سلسلته الفقرية إلى “شلل رباعي” في حال لم يفارق الحياة، ولفت إلى أنه لا يستطيع تأكيد حياته أو موته.
“أين حميدتي؟”
خلال مشاركته في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، التقى رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان مجموعة من الإعلاميين ومراسلي وكالات الأنباء.
ولدى سؤاله عن تهديد حميدتي بتشكيل حكومة موازية في الخرطوم في حال تشكيل حكومة في بورتسودان (شرقي البلاد)، قال البرهان “لن يستطيع تشكيل حكومة، ومن يعترف بها؟ هذا هوس، إنه حديث للاستهلاك السياسي. ثم أين حميدتي؟”
وفي سؤال آخر عن رأيه في التسجيل المصور الذي وجّه فيه حميدتي كلمة إلى الجمعية العامة للأم المتحدة عبر منصة “إكس”، قال البرهان “أنا لا أستمع إلى الأحاديث التي لا أعلم مصدرها”.
حميدتي يقود العمليات
في مقابل ذلك، يؤكد الباشا محمد طبيق مستشار قائد قوات الدعم السريع أن حميدتي في كامل عافيته ويباشر مهامه في قيادة قواته، ويرأس بنفسه غرفة العمليات التي تدير الحرب في الخرطوم.
وفي حديث للجزيرة نت، يرى طبيق أن التشكيك في وضع حميدتي ضرب من الحرب النفسية حتى تنهار قوات الدعم السريع، مؤكدا أن كل التسجيلات الصوتية والمصورة التي تحدث فيها “بالصورة والصوت” صحيحة ولا مجال للتشكيك فيها.
وعن عدم ظهور حميدتي بصورة مباشرة، يقول طبيق إن قائد الدعم السريع مستهدف، مما يتطلب أخذ الحيطة والحذر. ورهن ظهوره بتقديرات وترتيبات أمنية.
تخبط واضطراب
يرى المحلل السياسي ورئيس تحرير صحيفة “إيلاف” الأسبوعية خالد التجاني أن حميدتي كان يقود معركته الإعلامية بنفسه في أول أيام الحرب، ثم توقف؛ مما أثار تساؤلات عما إذا كان فعل ذلك بإرادته أو بسبب عجزه نتيجة الإصابة أو المرض أو الموت أو من طرف يتحكم فيه.
ويعتقد في حديث للجزيرة نت أن خطاب الدعم السريع صار مضطربًا ومتناقضًا في أهدافه السياسية والعسكرية، مما يشير إلى أن قرار هذه القوات “صار مختطفًا بغياب قيادته بعد اختفاء حميدتي منذ أكثر من 4 أشهر، ومغادرة نائبه وأخيه عبد الرحيم دقلو مسرح العمليات في الخرطوم منذ أكثر من شهرين”.
ويضيف التجاني أن الدعم السريع لم تعد تحت سيطرة حميدتي وعبد الرحيم، وانسحب هذا الاضطراب على حلفائه في قوى الحرية والتغيير-المجلس المركزي، ولفت إلى أن هدف حميدتي الأول كان القبض على البرهان ومحاكمته، والآن تعول عليه قوى التغيير في إيجاد حل سياسي، لكنها رأت أن خطابه أمام الأمم المتحدة كان مخيبا للآمال.
وكان القيادي في قوى الحرية والتغيير خالد عمر يوسف قال -في 16 سبتمبر/أيلول الجاري- إنهم تواصلوا مباشرة مع حميدتي خلال الأيام الماضية لبحث التهدئة والتوصل إلى حل للأزمة.
المصدر : الجزيرة