مات الشريف بدر وانطوت برحيله صفحات مسيرة حافلة قضاها وبدر وعينه على الآخرة ..
لا يعرف الشريف بدر إلا من عايشه عن قرب وعرف كيف كان يفكر ويدبر طريقته الفريدة في العمل العام ..
من تصاريف القدر العجيبة أن يفارق الشريف بدر الحياة الدنيا وقد بسط الشيوعيون وأراذل القوم سيطرتهم على مشهد السياسة والقانون في السودان .. سقطت الإنقاذ التي نافح عنها الشريف بكل ما يملك من طاقة وقوة .. سقطت الإنقاذ في دواخل أبنائها ومؤيديها قبل أن تسقط في أيدي أعدائها .. وما كان لتجربة الإنقاذ أن تترنح حتى السقوط المدوي لولا أنها سقطت في نفوس أنصارها وقادتها الذين انشغلوا بمعاركهم الداخلية والفردية وتركوا عظائم الأمور وأُمهات القضايا والأفكار العظيمة .. وتفرغوا لمجالس النميمة .. والقطيعة حتى غدا بأسهم بينهم شديداً .. وعظيماً ..
دفع الشريف بدر عليه رحمة الله ثمناً باهظاً لمعارك الإسلاميين وخلافاتهم الداخلية .. أكل كثيرون لحمه .. ومشوا بين الناس بالنميمة والقطيعة والوقيعة في أمر الشريف بدر عليه رحمة الله .. ومع كل الذي كان يعلمه ويعرفه عن الذين يكيدون له من اخوته ومعارفه .. لم يقابلهم إلا بذات طريقته الودودة .. هاشاً .. باشاً .. يبتسم في وجوههم بود .. ويعانقهم بمحبة يعرفها الناس عن الشريف؛ الذي كان رجلاً متسامحاً ومُسامحاً .. كان رجلاً يقابل الإساءة بالإحسان والقطيعة بالوصال .. لم يحدث قط أن تحدث عن رجلٍ يعرفه بسوء .. أو حمل على جماعة بغضب ..
كانت كل معاركه في العمل العام تحت الضوء .. تنتهي بنهاية التكليف .. أو المهمة التي أوكلت إليه .. من عظمة الشريف عليه رحمة الله أنه لم يكن يحمل في قلبه تبعات ما مضى .. يفتح قلبه لكل مرحلة .. ويطوي ما مضى بلا ضغينة ويستقبل ما يأتي بمحبة يعجز عنها الكثيرون.
كان الشريف بدر رجلاً لمّاحاً .. وذكياً .. ومبادراً في العمل العام .. وكان حريصاً على توسيع صف الحركة الإسلامية ومجرى التيار الإسلامي والوطني بوجوه ورموز سياسية من أحزاب وجماعات تلتقي مع الإسلاميين في محطة خدمة السودان الوطن .. والإسلام العقيدة .. كانت قناعته التي لم تتغير حتى آخر أيام حياته أن مسيرة العمل الوطني والإسلامي تحتاج لوجوه جديدة من كل أبناء السودان المخلصين لأمتهم ..ووطنهم ..
هذه القناعة التي لازمت الشريف بدر طيلة سنوات عمره داخل الحركة الإسلامية السودانية جلبت له خلافات كان يراها طبيعية في البيت الداخلي، بينما كان يراها بعض اخوته من قيادات الحركة الإسلامية السودانية بدعة قد تخرق الجدار .. وتهدم الصف ..
كانت للشريف بدر قناعة راسخة بأن طريقة إدارة الدولة تختلف عن طريقة إدارة الحركة الإسلامية خاصة .. والعمل الإسلامي عامة، ولذلك صبر كثيراً على الخلافات مع مشائخ وشباب الحركة الإسلامية بولاية الجزيرة؛ والذين وجد كثيرون منهم أن الشريف بدر كان على حق بعد سنوات من خلاف لم يؤثر قط على صلته الأخوية والإنسانية معهم ..
كان الشريف عليه رحمة الله مبادراً في العمل العام .. وكان حريصاً على التصرف كرجل دولة في كل الموقع التي شغلها .. ولم يكن حريصاً على المناصب الرسمية، ولذلك تراه سعيداً من قلبه بكل موقع أو مقعد تنظيمي يشغله لا يترفع عن تكليف .. ولا يتأفف من توجيه ..
من عظمة الشريف بدر حرصه الشديد على توجيه اخوانه وأبنائه في الحركة الإسلامية السودانية أن يجدوا لأنفسهم مواقع تحت الشمس .. كان ينصحهم بالتركيز على دراستهم وتخصصهم والبحث عن مصادر رزق أخرى غير العمل التنظيمي؛ الذي يحتاج إلى طاقاتهم وأموالهم، فالحركة الإسلامية السودانية وتنظيمها بمختلف لافتاته ليست شركة مساهمة عامة تعود للمساهمين فيها بالأرباح أو قوة الموقف التصويتي .. وإنما هي باب من أبواب الخير المستمر يأخذ منك وقتك وطاقتك ومالك وأجرك على الله في يوم لاينفع فيه مال ولابنون إلا من أتى الله بقلب سليم ..
هذا هو الشريف بدر الذي عرفه جيلنا .. طيلة سنوات معرفتنا به ظل يمنحنا الحب والتقدير والسؤال الصادق عن أحوالنا .. يواسي في الأحزان .. ويهاتف في الأفراح .. ينصح بصدق ويرشد بمحبة .. عشنا مع الشريف بدر الوالد .. وعايشنا الشريف بدر الأخ الأكبر .. ووجدنا الشريف الصديق الودود .. ولهذا فإن حزننا عليه كبير .. وفقدنا له جلل ..
مات الشريف بدر بأسراره .. وأحزانه .. الذين ترصدوه وظلوا يكيدون له بالباطل عجزوا عن تقديم بينة واحدة ضده، وكان محبوساً عندهم طيلة ستة أشهر كاملة لم تكسر له عزيمة ولم تضعف له إرادة .. عجزوا عن الذهاب به الى منصة القضاء عندهم ..فاختاره الله إليه .. وعند الله تجتمع الخصوم ..
مات الشريف بدر بذات الهدوء الذي عاش به حياته .. كان كما وصفه الشيخ الأستاذ عبدالرحمن عامر (رجلاً يمضي نحو أهدافه بخطوط مستقيمة) .. لم تشغله المنحنيات ولا المعارك الجانبية .. صوّب بصره نحو الخاتمة التي كان يحبها أن يدفن وسط تربة أجداده وآبائه الصالحين، وكان له ما أراد ..
رحمة من الله عليك أخي الشريف بدر .. ولا حول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم ..
صحيفة مصادر