في الأسبوع الماضي، اضطرت لجان المقاومة السودانية للنزول إلى ساحة اعتصام محيط مستشفى الجودة في الخرطوم، للاعتراض على تصرفات بعض المعتصمين ومحاولتهم فرض ملابس معينة على الفتيات، الراغبات في الدخول للاعتصام، بحجة الحشمة وعدم خدش الحياء العام.
متحدثو لجان المقاومة وفي مخاطباتهم اتهموا الاستخبارات العسكرية وجهاز المخابرات بالعمل على إثارة تلك التوجهات المنافية لقيم الثورة وتخالف مبادئها الرئيسية في الحرية، والحرية الشخصية جزء أساسي منها. كما أن فرض أي قيود على لباس النساء يعني إعادة العمل بقانون النظام العام الذي سنّه النظام البائد.
حسناً فعلت لجان المقاومة. لكن اللافت أن لجان المقاومة تجاهلت مع سبق الإصرار والترصد، أمراً لا يقل خطورة في ميدان الاعتصام، حين وزّعت لافتات عديدة تهاجم الأحزاب.
ولم يتم الاكتفاء باللافتات القماشية أو الورقية، بل برزت هتافات وأناشيد مثل “يا أحزاب كفاية خراب”. ما حدث ليس أول سلوك تصمت عليه لجان المقاومة في نشاطاتها أو تتبناه في خطابها، فاللجان باتت تعتمد منهجاً، قولا وعملاً، يحارب الأحزاب السياسية بمختلف مسمياتها وتضعها في خانة واحدة مع العسكر.
ولم يبدأ ذلك عقب انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فقبله على أيام حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك حدث نفس الأمر، ما قاد إلى إضعاف الحكومة وسهّل للعسكر الانقضاض عليها.
نعم قد تكون الأحزاب، وتحديداً قوى الحرية والتغيير، قد ارتكبت عشرات الأخطاء أثناء حكمها، وربما ارتكبت خطأ جديدا بتفاوضها المنفرد الشهر الماضي مع العسكر.
وكذلك ربما تواصل في المستقبل ارتكاب مزيد من الأخطاء، نتيجة تعقيدات المشهد السياسي وضعف خبرتها، بعد تغييب 30 سنة وحظرها والتضييق عليها ومحاولات حثيثة لإفشالها، لكن كل ذلك ليس مبرراً كافياً لمحوها من الوجود أو إقصائها من المشهد أو رفض قبولها في أي تحالفات مستقبلية لإسقاط الانقلاب أو لما بعد إسقاطه.
ويعود ذلك إلى أن الأحزاب هي عماد أي عملية ديمقراطية، ولا يمكن تصور قيام دولة مدنية تنادي بها لجان المقاومة، من دون حياة حزبية وتنافس حزبي. إن تشويه صورة الأحزاب السياسية والتقليل منها وتنفير الشعب منها هو هدف أساسي عند العسكر ومدخلهم للانقلاب العسكري في أي زمان ومكان، وهو ما يشهد عليه تاريخ الانقلابات العسكرية في السودان وغيره من البلدان القريبة والبعيدة.
المؤكد أخيراً، أن الأحزاب السياسية المناهضة للانقلاب هي التي رفضت للعسكر تمرير أجندتهم أثناء الشراكة، وهي التي استهدف الانقلاب رموزها بالاعتقال منذ اليوم الأول، ولا تزال ترفض عقد صفقة معه بلا عملية ملموسة لإنهاء الانقلاب وما ترتب عليه، وأي محاولة تخوين وشيطنة لها، لا تصبّ إلا في مصلحة العسكر، وبالطبع لجان المقاومة غير راغبة في ذلك.