ارتاب مسؤول رفيع في هيئة الموانئ السودانية في كراسة العطاء الخاصة بشركة موانئ دبي لتشغيل الميناء الجنوبي في بورتسودان، من أن الشركة اقترحت في خطتها التطويرية بناء مربط جديد بطول 400 متر.
ومرد الارتياب أن المختصين في الهيئة التي تضم فرقا ذات خبرات معتبرة أكدوا أن إنشاء مربط بهذا الحجم وفي المكان المحدد في الكراسة من شأنه الإخلال بحماية المرفأ من الأمواج التي يمكن أن تدمر أكبر موانئ السودان في غضون سنوات.
ورجحت مصادر تحدثت للجزيرة نت أن تكون الشركة الإماراتية وضمن أنشطتها في مياه البحر الأحمر تهدف إلى كبت حركة التطوير في موانئ المنطقة لصالح ميناء أم علي الإماراتي وحتى لصالح موانئ سعودية على البحر الأحمر.
وحسب المصادر ذاتها، فإن العطاء الذي طرح في العام 2016 حلت فيه شركة موانئ دبي في المركز الثاني نتيجة خلافات على 14 نقطة.
وفازت شركة الخدمات الدولية لمحطات الحاويات (آي سي تي إس آي) المملوكة لرجل الأعمال الفلبيني إنريك ريزون بحق إدارة وتشغيل ميناء الحاويات الجنوبي لـ20 سنة، رغم وجود 4 نقاط خلافية كانت حجر عثرة من بينها مصير آلاف العاملين.
منافس وليس واجهة
وتصر المصادر على أن الشركة الفلبينية لم تكن واجهة لشركة موانئ دبي، بل منافسا شرسا من واقع الإمكانات المهولة التي تتمتع بها، وهو ما لمسه وفد من هيئة الموانئ السودانية زار مقر الشركة في الفلبين.
وتقول إن عملية شيطنة تمت للشركة الفلبينية قادت في خاتمة المطاف المجلس العسكري الذي آلت إليه أمور الحكم بالسودان بعد الثورة لإلغاء العقد في أغسطس/آب 2019.
وتعززت الشكوك حول صلة الشركة الفلبينية بأبو ظبي لجهة أن شركة “آي سي تي إس آي” كانت تدير الميناء الجنوبي ببورتسودان من فرعها الإقليمي في دبي.
كما أن بول أنتوني فورموزا رئيس عمليات شركة موانئ “بي آند أو” الذي اغتيل في فبراير 2019 في الصومال، كان يدير أعمال الشركة الفلبينية ببورتسودان.
وأدانت الإمارات حينها اغتيال بول أنتوني فورموزا رئيس شركة ميناء بوصاصو بمنطقة بونت لاند الصومالية، والذي تديره شركة إماراتية مملوكة لموانئ دبي، إثر إطلاق الرصاص عليه في عملية تبنتها حركة الشباب المجاهدين.
لجنة طوارئ
ولمست الجزيرة نت رأيا عاما لدى قيادات هيئة الموانئ بمعارضة أي شراكة أجنبية في الميناء الجنوبي الذي تعتمد عليه حركة الوارد والصادر بشكل أساسي في السودان.
وأجبرت احتجاجات قادها العاملون بهيئة الموانئ السودانية خاصة عمال الميناء الجنوبي، الحكومة السودانية خلال حقبتي الرئيس المعزول عمر البشير والمجلس العسكري على تعليق الاتفاق مع الشركة الفلبينية ومن ثم إلغاؤه بالكامل.
اعلان
ويقول المدير العام المناوب لهيئة الموانئ عصام الدين حسابو للجزيرة نت إن الميناء الجنوبي لا يحتاج إلى شراكات أجنبية لمداخيله العالية التي يمكن أن تساعد على تطويره إذا منحت وزارة المالية الاتحادية هيئة الموانئ صلاحيات للتصرف في بعض مواردها.
ويجزم بأن الميناء الجنوبي نهاية العام الحالي سيعمل بأداء ممتاز ولن يكون بحاجة لشراكات أو امتيازات.
ويشير إلى أن لجنة الطوارئ الاقتصادية التي يرأسها رئيس الوزراء عبد الله حمدوك ونائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو، قد تمكنت عبر منظومة الصناعات الدفاعية من تشغيل 8 كرينات في الميناء الجنوبي.
خطة إسعافية
ويؤكد حسابو أن خطة إسعافية بدأت قبل 3 أسابيع تستهدف رفع أعمال المناولة بالميناء الجنوبي التي تبلغ حاليا بين 450 و480 ألف حاوية سنويا بحيث تصل الزيادة بين 5% و11% عبر شراء رافعتين عملاقتين ترفعان المناولة إلى 1.5 مليون حاوية.
وعلى غرار الشراكة مع شركة صينية في ميناء هيدوب الذي افتتح أواخر أغسطس
الماضي لتصدير المواشي والخضر والفاكهة، فإن مدير هيئة الموانئ يرى أنه من الممكن فتح استثمارات أجنبية في موانئ جديدة وتطوير ميناء سواكن وميناء الخير لصادر النفط، على أن تكون الحكومة شريكا في هذه الاستثمارات.
ودخلت شركة صينية شريكا مع الحكومة السودانية في ميناء هيدوب لصادر اللحوم والخضر والفاكهة بواقع 51% للحكومة و49% للشركة الصينية.
ويشير إلى أن ميناء سواكن يمكن أن يكون ميناء محوريا مع منطقة اقتصادية حرة تخدم دولا مغلقة مثل إثيوبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان.
ساحل حلايب
ويكشف عصام الدين حسابو أن الموانئ السودانية، وطبقا لخطة تطويرية قامت بها شركة موانئ هامبورج الألمانية لـ20 عاما، تحتاج 300 مليون يورو للتطوير المستقبلي لكنها الآن تحتاج إلى 53 مليون يورو لصالح خطة إسعافية تعهدت بها لجنة الطوارئ الاقتصادية.
ويقول إن الاقتصاد الأزرق يمكن أن يغذي الخزانة العامة بالعملات الصعبة بشكل جيد حيث إن السودان لم يستغل سوى 10% من ساحله على البحر الأحمر بطول 750 كيلومترا.
ويضيف أن “الساحل الشمالي الذي يضم شاطئ مثلث حلايب الذي تسيطر عليه مصر بوضع اليد منذ العام 1994 يمكن أن يكون بساحله الرملي العميق محطات ليخوت السياحة”.
ويشير إلى أن من ضمن الخطط في الساحل الشمالي إنشاء ميناء أوسيف للمعادن، لكن الجدوى حاليا في صالح تطوير ميناء هيدوب بعرض 3 مرابط فيه للشراكات الأجنبية.
مصير العمال
لكن يظل نحو 18 ألفا من العاملين في هيئة الموانئ ونحو 20 ألفا تقريبا من عمال الشحن والتفريغ معضلة أمام أي خطط تطويرية للموانئ السودانية.
ويقول والي ولاية البحر الأحمر عبد الله شنقراي أوهاج للجزيرة نت إن الموانئ أكبر مخدم بولايته التي توفر لها بالمقابل المياه والكهرباء والأمن.
ويقر الوالي بأن نمو الموانئ والتوسع في موانئ سواكن وهيدوب وأوسيف يحتاج لموارد مالية ضخمة، وهو ما يحتاج لشراكات مستقلة ضخمة للاستمرار في المنافسة.
ويؤكد الدكتور أمين موسى الحاج المتخصص في اقتصادات النقل البحري وتخطيط الموانئ والمدير التجاري الأسبق بهيئة الموانئ، أن موانئ السودان لا تحتاج إلا لـ5 آلاف عامل لتشغيلها، ويرى ضرورة اجتراح معالجات اجتماعية لأي حالات تشريد حال إعادة هيكلة الهيئة.
ويذكر أن الهيئة قادرة على تطوير الموانئ بلا خصخصة إذا تركت لها إيراداتها، ويوضح أن ميناء بورتسودان مميز ومن الممكن الدخول في شراكات ذكية مع طرف مقتدر فنيا وماليا.
ولا يرى الحاج أي داع لاستثمارات إماراتية أو فلبينية، مع السعي لإنفاذ خطة قديمة بإنشاء ميناء محوري جنوب سواكن بحوالي 30 كيلومترا.
بورتسودان : احمد فضل
المصدر : الجزيرة نت