غير مصنف --

الطيب مصطفى يكتب: إلى البرهان وحميدتي: هل جيش الحلو حركة كفاح مسلح أم تمرد؟!

وانسحب الحلو من التفاوض رفضاً لأن يقود الرجل الثاني في الدولة السودانية (حميدتي) وفد الحكومة السودانية، بالرغم من أن حميدتي سبق له أن قال عن الحلو ــ ويا للعجب ــ إنه (رجل طيب)!
ألم يقتنع حميدتي الآن بأنه هو (الطيب) وأنه يحتاج الى إعادة النظر في ادائه السياسي وقبل ذلك في منطوق لسانه؟!
أقدر أن حميدتي ما دخل معترك السياسة الوعر إلا حديثاً، وان ذلك يحتاج الى الخبرة والمعلومات التي تزود صاحبها بما يعينه على القول والفعل والتخطيط، وليته يستعين بالثقاة من الخبراء، ويبدأ التفاوض من حيث انتهى سابقوه في عهد الانقاذ، وان يعلم أنه ملك الكلمة التي لم يقل فاذا قالها ملكته، وأن المفاوض لا يبذل العطايا حتى ولو كانت كلاماً، فقد قال كيسنجر للرئيس السادات ايام اتفاقية كامب ديفيد 1978 (إن أمريكا لا تدفع ثمن ما يهدى اليها)!
أقولها مجدداً إنه لم يحدث في تاريخ العالم أن وصفت دولة ذات سيادة حركة متمردة على سلطانها وعلى دستورها بل وعلى قواتها المسلحة بأنها (حركة كفاح
مسلح!(
هل فعلتها إيرلندا مع الجيش الجيش الجمهوري الايرلندي (IRA) ، هل فعلتها سريلانكا مع ثوار التاميل، أم اسبانيا مع ثوار الباسك او غير ذلك من الدول؟!
خبروني بالله عليكم: كفاح مسلح ضد من؟ هل ضد الرئيس البشير؟! بالطبع لا، فقد سقط نظام البشير.. إذن فإن حركة الحلو بل كل الحركات التي لم تضع السلاح وتوقع على اتفاقيات سلام (تكافح) ضد نظام الرئيس البرهان وضد قواته المسلحة، ولا دليل دامغ اكبر من أنها تحمل السلاح حتى اللحظة وتقاتل الجيش السوداني، بل أنها قاتلته قبل أيام وقتلت عدداً من افراده في منطقة خور الورل بجنوب كردفان!
ذلك (الانبطاح) وذلك (الانكسار) في مواجهة حركة متمردة تشن الحرب على الدولة، هو الذي دفع الحلو الى اهانة الفريق اول حميدتي، بل الى اهانة الدولة السودانية ممثلة في الرجل الثاني في الدولة بكل ما تمثله من أرض وشعب وتاريخ وموارد!
لماذا يحدث كل ذلك؟!
الجواب بسيط للغاية: لأن من يهن يسهل الهوان عليه، ولأنه ما لجرح بميت إيلام.
ثم لأن القوات المسلحة ممثلة في قيادتها استسلمت للحزب الشيوعي وللحركة الشعبية يوم سمحت لمحمد يوسف القيادي في صفوف الحركة والمفاوض عنها حتى اللحظة، أن يتحداها امام قيادتها العامة وامام عرين ابطالها رافعاً يده في زهو وغطرسة حمقاء ومرتدياً علم الحركة الشعبية (لتحرير) السودان، وليس علم وطنه المحتقر في نظره، وصارخاً بأعلى صوته (سودان جديد أو لا سودان)، ثم اتبعها بعبارة جنوبية (اويي) وكأنه في جوبا وليس الخرطوم!
لا أشك لحظة أن التغيير الذي طرأ على موقف حركة الحلو ورفض امينه العام عمار أمون التفاوض مع حميدتي ناشئ عن دخول الحزب الشيوعي في الخط، سيما أن ذلك الموقف المتعنت لم يحدث الا بعد الاعلان عن تحالف الحركة مع الشيوعي عبر فصيله في تجمع المهنيين، ولذلك لا غرو ان يعبر رئيس وفد الوساطة الجنوبية توت قلواك عن دهشته ويقول إنهم (فوجئوا) بالموقف الجديد لوفد الحركة الذي لم يسبق له خلال الجلسات السابقة معه ان ابدى اي تحفظ حول رئاسة حميدتي للوفد الحكومي!
هل تذكرون تلك الزيارة المذلة التي قام بها رئيس وزراء الغفلة الشيوعي حمدوك الى عاصمة الحلو (كاودا)، والتي صحبه فيها خواجات حمدوك ــ لن أتحدث عن بعثة حمدوك الأممية فقد أكثرت الحديث عنها! ــ هل تذكرون كيف املى الحلو على حمدوك شروطه، حيث لم يصحب حمدوك حتى والي ولاية جنوب كردفان ولا القيادة العسكرية في الولاية باعتبار انهم اعداء لقوات (حركة الكفاح المسلح) التابعة للحلو؟! هل تذكرون كيف خاطب الحلو رئيس الوزراء حول الاراضي (المحررة) وكأنها ليست جزءاً من سلطة حمدوك او من اراضي الدولة السودانية.. هل تذكرون كيف كان حمدوك مبتسماً وفاغراً فاه بصورة تفقع المرارة وتفري الكبد وتحدث انفجار الغدد الصماء؟!
من يقنع البرهان وحميدتي بعد أن خاطبتهما ربما عشرات المرات ان الحزب الشيوعي الذي تسبب في اهانة حميدتي والدولة السودانية وقواتها المسلحة، من يقنعهما أن الشيوعي عدو لدود بل واستراتيجي لهما وللقوات المسلحة السودانية، ولن يرضى عنهما حتى لو استحلبا واستجلبا له لبن الطير، فقد تنكر لهما رغم انهما سلماه السلطة، وبالرغم من ان الثوار لم يعتصموا في (الدايات) كما قال الاخ عادل الباز، وانما في القيادة العامة طلباً لنصرته، ولكن ما اصدق الحكمة الخالدة: إنك لا تجني من الشوك العنب!
العجب العجاب أن يتحدث الناس عن هيبة الدولة رغم ما يفعله الحزب الشيوعي والحركات المسلحة من (مرمطة) للدولة جراء انبطاح وانكسار قيادة القوات المسلحة التي ظلت تنصاع لكل ما يطلبه الشيوعي، واخشى ما اخشاه ان توافق على تفكيك الجيش السوداني واعادة هيكلته بما ينصب الحلو على رأسه بل على رأس الدولة السودانية!
اعجب ان يستغرب البعض من انهيار هيبة الدولة، واود ان اسأل: هل يظن الناس ان العالم لا يرانا، عبر سفاراته التي ترقب قلة حيلتنا وهواننا، عراة مجردين من ثياب المهابة والعزة والكرامة ونحن نتسول (مادين قرعتنا) ليل نهار، او نحن نضعف أمام كل من يحمل السلاح، بل أمام كل طامع يحتقب مساراً جديداً حتى ولو لم يحمل طول عمره سلاحاً او حتى مسدس ألعاب اطفال؟! هل نستغرب تدخل دويلات صغيرة ــ صنعناها بأيدينا ــ في شؤوننا وقيامها بتحريش وتحريض قبائلنا على الدولة وتآمرها على أمننا القومي؟!
نصحت حميدتي والمفاوضين أن يقرأوا عن مشروع السودان الجديد الذي مازال أولاد قرنق من تلاميذه يتأبطونه ويتغنون به وينثرون عباراته في خطاباتهم وبياناتهم نقلاً بالمسطرة من ادبياته في المانفيستو ودستور الحركة وفي اوراقه النظرية مثل ورقته حول (التنوع السوداني) The Sudanese diversity ، وذلك حتى يعلموا شيئاً عن منهج تفكير الحلو وباقان وعرمان، فكل هؤلاء تربوا على ادبيات اعتبرت قرنق هو مانديلا السودان، وأن العرب في السودان هم بيض جنوب افريقيا المستعمرون الذين ينبغي ان يترجلوا تماماً للأفارقة أصحاب الأرض الاصليين! هم يعلمون كل الحقيقة لكنهم لا يفرقون بين البيض في جنوب إفريقيا ومن يسمونهم بعرب السودان الذين يعلمون انهم افارقة مثلهم، لكنهم يعتزون بهويتهم الإسلامية وثقافتهم العربية الإسلامية التي يعتبرها الحلو وأتباعه العنصريون شيطاناً مريداً ينبغي أن يقتلع من أرض السودان!
اعتدت أن أصدع برأيي لا تأخذني في ذلك لومة لائم، حتى وإن كان ذلك صادماً أو محرجاً بغض النظر عما يمكن أن يجره علي من متاعب، وأرجو ألا يحمل كلامي بغير ما يحتمل، وليت البرهان وحميدتي يسمعان من لا يداهنهما أو يصانعهما، فما أودى بالسابقين إلا المداهنون الذين لم يسمعوهم إلا ما يحبون إلى أن حلت الكارثة!

صحيفة الانتباهة

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى