السودان اليوم:
تجمع بيني وبينها علاقة جميلة ..احب ان اطلق عليها لفظ (الصداقة عن بعد)..على غرارالتعليم عن بعد ..ذلك انني لا التقيها كثيرا ..ولا اتعمد زيارتها كذلك ..ولكنني عندما اصادفها في أي محفل ..تجدني اسارع نحوها واسلم عليها بحرارة ..ثم نتجاذب اطراف الحديث ونتبادل النكات والمزاح ..ونفترق دون حتى ان أعرف لها عنوانا…
سمعت بالصدفة انها مريضة ..مرض اقعدها عن المشاركة في المحافل العلمية …بحثت عن عنوانها وذهبت لزيارتها ..فوجدتها تسكن في شقة فخمة ..حديثة الاثاث ..مرتبة اكثر من اللازم ..ذلك اليوم فقط اكتشفت انها غير متزوجة ..وهي تعيش وحيدة بعد وفاة والديها وهجرة اخيها واطفاله الى امريكا …قالت لي انها تلقت عرضا للتدريس باحدى جامعات الخليج ولكنها رفضت ..مازحتها قائلة (ليه يا زولة ..حد يرفض الريالات والدراهم الايام دي؟؟)..تنهدت عميقا ثم قالت (يا زولة ..انا عندي محمد ولا فاطنة؟؟ يلا حسن الختام)…
لم احسها يائسة وحزينة الا في ذلك اليوم …ماذا تفعل المرأة التي لم يكتب لها الزواج عندما تتقدم بها السن؟؟ ..ربما في تلك اللحظة التمست العذر لاؤلئك الذين من الممكن ان ينظروا اليها من بعيد ويتحسرون قائلين (اها عملت دكتوراة ..وتدرس في الجامعة ومن طيارة لي طيارة في المؤتمرات ..ماذا لو تزوجت وانجبت طفل او اثنين ..)..ولكني ساهب دفاعا عنها وعن كثيرات مثلها …(يعني تعمل شنو ؟؟ تنزل اعلانات تقول عريس لله؟؟ ولا تجلس خاتة يدها على خدها في انتظار عطف احدهم ؟…هي انسانة ماشة في حياتها ..اذا جاء النصيب ..كان بها ..وان لم يأت فالحياة لا تتوقف عند احد )..
كنت اراقبها وهي تتحرك بصعوبة ..قلت لها فجأة (ليه ما تتبني طفل ؟)..توقفت في منتصف الطريق ..والتفت الي مندهشة وكأنني اتيت بما لم يستطعه الأوائل (اتبنى طفل؟؟ لكن دا مش فيهو شبهة)…(شبهة ؟؟ منو القال كدا؟؟ اعتقد ان التشديد على عدم الحاقه باسمك ..لكن ممكن تجيبي طفل وتربيهو وتساهمي في انك تحلي مشكلة انسان وكمان يملا عليك البيت …اقول ليك جيبي بنت …تونسك ..وتساعدك ..وتكبر يمكن كمان تتزوج ان شا الله وتجيب اطفال..مين عارف ؟؟)…
ظهرت عليها علامات الحيرة ..وبدا انها تقلب الامر على وجهيه ..لانها جلست في أقرب كرسي وبدات تفكر بصوت عال (اها وبعدين تقوم يبقى طبعها صعب ولا تظهر لي جينات من وين ما عارفة )..ضحكت وقلت لها (جينات شنو يا زولة ..الاخلاق مكتسبة وانت ما شا الله انسانة واعية ودارسة تقدري تربيها وتعلميها ..).. ثم أردفت مازحة (بس ارحميها من التنظير الكتير بتاع اساتذة الجامعات دا)..قالت لي (خلاص انت جبتيها وسكنتيها معاي …وبقيتي تفتشي ليها في التنظير من عدمه؟؟)..ضحكنا سويا ..ودعتها متمنية لها الشفاء العاجل ..وخرجت بعد ان انتزعت منى وعدا ان اداوم على زيارتها ….ولكن صباح اليوم تلقيت منها رسالة صغيرة تقول (تعالي امشي معاي المشوار الاتكلمنا فيهو اليوم داك )…وكان هذا سبب كتابة هذا المقال ..(لو اكون زول ليهو قيمة ..أسعد الناس بوجودي …زي نضارة غصن طيب ..كل يوم يخضر عودي ).
The post نعم ..ما زالت أنسة.. بقلم د. ناهد قرناص appeared first on السودان اليوم.