السودان اليوم:
– ما من صاحب وجدانٍ سليم يرفض السلام، وما من حربٍ إلَّا إنتهت إلى مائدة المفاوضات، وما من نزاعٍ أهلي أو دولي نال أحد طرفيه نصراً صريحاً، يمكِّنه من إملاء شروطه كاملةً، بالغاً ما بلغت قوة المنتصر، ومهما كانت درجة الضعف عند المنهزم، ولن نستدعي تاريخاً بعيداً نستدلّ به على هذا القول، فإذا كانت قوات الحلفاء بقيادة أمريكا، قد انتصرت في الحرب العالمية الثانية على دول المحور – ألمانيا، وإيطاليا، واليابان – التي إستسلمت بعد الضربة النووية – اللا أخلاقية – على هيروشيما ونجازاكي فكادت أن تعيدها إلى العصر الحجري، فأين هو موقع اليابان الإقتصادي والتقني والإجتماعي اليوم، وأين هو موقع ألمانيا اليوم والتي تعدّ من أعلى وأكبر إقتصاديات العالم !! ولا أحد يذكر الآن الهزائم المذلة التي جللت جبين الجيش الأمريكي الأقوى والأكبر فى العالم، فى فيتنام، والعراق، وأفغانستان، واليمن والصومال الأضعف في العالم وغيرها بالمعنى الأوسع للهزيمة وهو عدم تحقيق الأهداف الكاملة التي قامت من أجلها الحرب، وكذلك هي الحروب الأهلية في كل بلدان العالم – والسودان من بينها- ، لا منتصر فيها فالكل خاسر.
– الآن وقد تناهت إلينا الأنباء عن التوقيع بالأحرف الأولى على وثيقة السلام بين الحكومة الانتقالية والحركات المسلحة، والتي أُطلق عليها مسمَّى الكفاح المسلح تجميلاً لوجهها فـ (الكفاح) إسم له رنين يساري يُطرب الرفاق، ماعلينا، ولن يقبلوا بكلمة (الجهاد) مثلاً فقد ألصق الإعلام الغربي صفة الإرهاب مقترنةً بمعنى الجهاد، ولنترك مثل هذه التفاصيل ونمحو كلمات الجهاد والمجاهدين من قاموسنا السياسي، وربَّما حتى كلمة الشهداء، (فما يجعل من الشهيدِ شهيداً، هو القضية لا الموت). يقول البعثيون- وقد صدقوا – الشهداءُ أكرم منَّا جميعاً. وعلم ذلك عند الله.
– أما وقد مضى زورق أحلام السلام يتهادى في مسيرته نحو الضفاف، فأخشى ما نخشاه عليه هو صخور الواقع الصلدة التى قد يتحطم عندها الزورق الهش، فلو أفلحت الحاضنة السياسية لحكومة الخرطوم الإنتقالية، في حشد الشارع دعماً للسلام المرتقب، ليس بالمسيرات المطلبية أو الإحتفالية، وليس لإبراز العضلات، في وجه خصومها الإفتراضيين، وهي تحارب مثل دون كيشوت طواحين الهواء بسيفٍ مثلوم وحصانٍ أعجفٍ أعرج، صرعه الدولار، وأغرقته أكوام القمامة، وهزمته طوابير الإحتياجات الضرورية لمعاش الناس، وإخترقته أجهزة المخابرات الأجنبية حتى النخاع، وسقته المرارات والأحقاد وهوى النفس كأس الذل حتى الثمالة، وخذله الأصدقاء قبل الأعداء، فإنَّ الفرصة التاريخية قد دنى قطافها، بتحقيق السلام الشامل، دون إقصاء أو إستثناء، وبلا مزايدات، فليس هناك من منتصر ليملي شروطه، وما الدعوة لهيكلة الجيش والمنظومة الأمنية إلَّا نوع من فرض الشروط، فالجيش الذي لم تتمكن الحركات المسلحة من هزيمته فى ميادين المعارك، تريد أن تهزمه على طاولة المفاوضات، يعني الماقدروا عليهو بالبندقية، يشيلوهو بالنَضَمي!!
The post السلام بين زورق الأحلام وصخور الواقع.. بقلم محجوب فضل بدري appeared first on السودان اليوم.