(1 )
فكرة تشجيع الدولة لزراعة القمح بإدخال سعر التركيز كان أول من قال بها السيد مبارك الفاضل عندما كان رئيسا للقطاع الاقتصادي في حكومة بكري حسن صالح.
إذ رأى ان يشتري البنك الزراعي الحكومي الجوال زنة مائة كيلو من المزارع بسعر 1800 جنيه وكان يومها سعرا مجزيا فتم تطبيق الفكرة في حكومة معتز موسى حيث أضيف مبلغ خمسون جنيها للجوال لزوم الترحيل . ثم جاءت الحكومة الانتقالية الحالية فواصلت في ذات الاتجاه مع مراعاة فروق الإعاقة في الجنيه السوداني فقررت في بداية الموسم أن يكون سعر التركيز ثلاثة آلاف جنيه للجوال فكان لهذا فعل السحر في زيادة المساحة المزروعة رغم العقبات اللوجستية التي صاحبت بداية الموسم وقبيل الحصاد اتضح أن تكلفة الإنتاج كانت عالية جدا فقررت الحكومة إضافة 500 جنيه للسعر فقام المزارعون بتوريد ما عليهم من تمويل للبنك قمحا بالسعر المعلن وبعضهم زاد ولكن فجأة حدث تدهور مريع في قيمة الجنيه السوداني فأحجم المزارعون عن التوريد ليصبح القمح مدخرا عينيا.
(2 )
الأمر المهم في الذي ذكرناه أعلاه أن فكرة سعر التركيز كانت فكرة عبقرية في زيادة الإقبال على زراعة القمح وبالتالي زيادة الإنتاج فيه لأنها ببساطة تضمن للمزارع عدم الخسارة بتدخل الدولة في حالة تدني الأسعار وهذا هو الهدف منها.
وهي لا تعني إطلاقا وضع سقف أعلى لسعر القمح او تقييد القيمة السوقية لا سيما وأن معظم القمح المزروع ليس للدولة يد فيه لا بل حتى الذي يمول البنك الزراعي بعض مدخلاته إنما يفعل ذلك بوضع أرباح أي تمويل بنكي عادي كأنما يمول شراء عربية أو بناء بيت لا بل لا يدخل البنك في مجازفة عالية لقصر الموسم الزراعي، فالحكاية كلها عدة شهور ولا تحسب بالسنوات مثل السيارات والبيوت وبما أنها لا تدخل في بيع السلم ففي إمكان المزارع أن يدفع للبنك كل قيمة تمويله ومع أرباحها نقدا ويبيع قمحه في سوق الله أكبر وهذا ما حدث في موسم 2019م.
(3 )
المشكلة القائمة الآن أن الحكومة قد أصدرت أيام الحصاد قرارا يمنع بيع القمح في السوق ويفرض على المزارع توريد قمحه للبنك الزراعي ليحوله للمخزون الاستراتيجي وذلك تحسبا للمضاربة في هذه السلعة الاستراتيجية ولكن بعض المزارعين غير الممولين من البنك الزراعي تعودوا على أن يحملوا إنتاجهم الى مخازنهم ليتصرفوا فيه وقت الحاجة وهذا من حقهم لا بل حتى الذين قرروا أن يوردوا للبنك الزراعي ضاقت بهم مواعين البنك الزراعي لأن التسليم احتكر لمطاحن محددة وتأخرت مستحقاتهم فزاد الإحجام عن التوريد، وقد تدخلت الدولة عدة مرات وزادت أيام التسليم وضخت الأموال للبنك وما زالت كميات من القمح حتى يوم الناس في العراء وما زالت كميات كبيرة من القمح موجودة في مخازن المزارعين، فحدث تجفيف للسوق من القمح فارتفع سعر الذرة الى أرقام فلكية لا بل تدخلت وزارة السيد البدوي في المخزون الاستراتيجي للذرة فلحقته أمات طه، ومازال سعر الجنيه السوداني يوالي التدهور مع ثبات سعر التركيز للقمح وما زال قرار الحكومة بعدم دخول القمح السوق ساريا إذ يدخل تهريبا كأنه بنقو ومازال القمح الأوكراني الردئ يرابط في الميناء وما زالت المؤامرة على القمح المحلي مستمرة.
وغدا نفصل أكثر إن شاء الله.
صحيفة السوداني