أثارت التعديلات القانونية جدل كثيف ما بين مؤيد ورافض لها، من حيث القانون، وبحسب رؤية كثيرين أنها خطوة مهمة في طريق إصلاح المنظومة العدلية في البلاد، غير أن البعض الآخر يرى أنها استجابة لضغوط تحت تأثير مفاوضات السلام التي تجري حالياً، وفق شروط مسبقة، واستجابة المكون الحكومي لشروط متعلقة بالسلام والاتفاقيات الدولية.
أصدرت الحكومة عدداً من التعديلات على القانون الجنائي، مسّت قضايا مهمة وحسّاسة صارت جزءاً لا يتجزأ من الإرث القنوني والدستوري في السودان، وبحسب حزب حركة الاصلاح الآن لم تجز تلك التعديلات أية مؤسسة دستورية منتخبة أو غير منتخبة ولم يسبقها جدل، أو تداول، أو مناظرة، أو سعي نحو توافق وطني يضمن دستورية التشريعات وحجيتها، وأهليتها للتطبيق، فإن الذين عكفوا على تلك التعديلات وأجازوها هم بعض أشخاص، اجتمعوا بليل وفعلوا فعلتهم بغير تفويض من شخص أو مؤسسة ذات تكليف أو سلطان معتمد، وأوضحت الحركة بحسب بيان صادر عن المكتب السياسي تحصلت عليه (أول النهار) صدرت التعديلات والبلاد تتهاوى أساساتها ويتشتت بنيانها تحت ضربات الحرب وإجراءات الحصار الاقتصادي، والمحاولات المشبوهة لإضعاف القوات المسلحة عبر دعوات إعادة الهيكلة.
الإجراءات غير القانونية وغير الدستورية التي اتخذتها الحكومة لا حجية لها، فهذه المسائل لا تحسمها إلا المؤسسات الدستورية المنتخبة.
من أبرز القوانين السودانية التي تم تعديلها هي “قانون مفوضية إصلاح المنظومة الحقوقية والعدلية” والمعني بقيادة وبناء أساس لعملية إصلاح وتطوير المنظومة الحقوقية والعدلية، بجانب التعديلات المتنوعة للحقوق والحريات الأساسية، والمعني بإجراء جزء من الإصلاحات الواردة في الوثيقة الدستورية حول حقوق الإنسان وحرياته كإنصاف حقوق المرأة والطفل، إلغاء عدد من المواد المتفرقة في بعض القوانين، التي تحط من قدر وكرامة المرأة كتجريم ختان الإناث والإقرار بحق المرأة في اصطحاب أطفالها في حال السفر خارج السودان وغيرها من الحقوق، بجانب قانون مكافحة جرائم المعلوماتية، والذي من سماته العامة تشديد العقوبات، لحماية حقوق المستخدم والحفاظ على الخصوصية، ومنع انتشار الشائعات.
رؤية قانونية
فيما يتعلق بشأن تجريم ختان الاناث يجب ان يتم وفقاً لحوار واسع يحدد طبيعة التجريم والعقوبة بحيث تكون معقولة وعادلة كما أن الختان ليس مسألة من الدين وهي غير موجودة وانما هي عادة فرعونية ومضرة من حيث الاثار الطبية بجانب الاثار السالبة في الحياة الزوجية، ولكن كان ينبقي ارجاء الامر الي حين قيام المجلس التأسيسي لمنتخب، وبحسب رؤية قانونين من التعديلات التي لم ينتبه اليها البعض التعديل القائل (لا يجوز الحكم باعدام طفل لم يبلغ الثامنة عشر، او شخص بلغ السبعين من العمر، الا عند الادانة بجرائم الحدود والقصاص والجرائم الموجهة ضد الدولة والجرائم الواقعة على المال العام ، هذا التعديل أسقط بهدوء منع إعدام من بلغ السبعين، بمعنى اخر صار في حكم المؤكد ان الحكومة الإنتقالية ستسلم بعض قادة النظام السابق الى أنصارهم.
مخالفات اجرائية وموضوعية
اعتبرت هيئة علماء السودان التعديلات على القانون الجنائي لسنة 2020 إلغاء لاحكام شرعية لايختلف عليها جمهور المسلمين، قائلة أن “فيها تحليل لما حرمه الله وتحريم لما حلله الشرع، وأوضحت الهيئة ان التعديلات اشتملت على عدد من المخالفات الإجرائية والموضوعية، أجملتها في أنها تتم دون الرجوع إلى المؤسسات الشرعية للأمة، وفي غيبة المجلس المناط به ذلك، وإن نسبة الشرعية إلى الوثيقة الدستورية لا يغير في الأمر شيئاً، كما أن الوثيقة ليس من حقها الفصل في ثوابت الدين وقطعياته.
وقال البيان إن تمرير مثل هذه القوانين وفي هذه الفترة سوف يزيد من الاحتقان ويفتح باباً للفتن والاضطرابات، والوطن يعاني من مشكلات جمة تتصل بضروريات الحياة آمناً وطعاماً.
اباحية وتطرف
ودعت الهيئة مجلس السيادة الإنتقالي ان يربأ عن تمرر التعديلات، لأن المساومة في شرع الله لاتجوز، مشيرة إلى أن المجلس ليس له سلطة إلغاء القوانين ولاسيما القوانين الشرعية التي تعبر عن هوية الأمة، داعية للتركيز علي مهام الفترة الانتقالية ومن اهمها التحضير لإجراء انتخابات حرة دون إقصاء، والاهتمام بمعاش الناس وإجراء حوار وطني شامل، ونبهت الهيئة في بيانها الي ان التنازل عن ثوابت الأمة لن يجلب خيرا من الخارج، مدللة على ذلك ب “الوعود المتكررة في كل مرحلة من مراحل نضالنا الوطني” حسب تعبيرها، وحذرت من فتنة تفتيت النسيج الاجتماعي وطغيان الإباحية ثم التطرف في حالة عدم التراجع عن اجازة تعديل القوانين التي قالت إنها تمس الأحكام الشرعية.
تطور بشري
وقال المحامي محمد حسن عربي في تغريدة على «فيسبوك» إن التعديلات التي وضعها وزير العدل، «تعد خلاصة للتطور البشري في فلسفة التجريم والعقاب، ووضعها في خدمة أهداف الثورة، بإزالة الغموض عن سن المسؤولية الجنائية وتحديد البلوغ بسن الثامنة عشرة»، وأوضح عربي أن القوانين الجديدة والتعديلات اعتمدت فلسفة العدالة الترميمية، والمحاكم البديلة في قضاء الأحداث، كما اعتمدت لأول مرة «الخدمة الاجتماعية» كواحدة من العقوبات، وخصوصا في مواجهة النساء الحوامل والمرضعات والأمهات، وأشار إلى إن التعديلات التي وضعها وزير العدل، «تعد خلاصة للتطور البشري في فلسفة التجريم والعقاب، ووضعها في خدمة أهداف الثورة، بإزالة الغموض عن سن المسؤولية الجنائية وتحديد البلوغ بسن الثامنة عشرة».
وأوضح عربي أن القوانين الجديدة والتعديلات اعتمدت فلسفة العدالة الترميمية، والمحاكم البديلة في قضاء الأحداث، كما اعتمدت لأول مرة «الخدمة الاجتماعية» كواحدة من العقوبات، وخصوصا في مواجهة النساء الحوامل والمرضعات والأمهات.
واعتبر القانوني الضليع حسن عبد العظيم بحسب مقاله بـ(أول النهار) التبشير بقانون مفوضية المنظومة العدلية والحقوقية (قانون المفوضية)، بعد مليونية 30 يونيو إلهاء عن التأخير بمطالب القصاص الذي تعطل بسبب ضعف مناولة الملف القانوني منذ اندلاع الثورة. وأوضح أن قانون المفوضية يصادم مبدأ استقلال القضاء علاوة على مجافاته الصريحة لمبدأ الفصل بين السلطات. كما أن القانون يضع الأجهزة العدلية تحت رحمة الجهاز التنفيذي، وسيؤدي بالضرورة، ليس لإزالة التمكين، وإنما للتناحر وتصفية حسابات شخصية علاوة على التأخير غير المدروس للحقوق بلا كفاءات مؤهلة.
ومحاصصات حزبية
مضى عبد العظيم أن القانون ينطوي على مساس بمهنة المحاماة المستقلة وكليات القانون بالجامعات والتي لن تصبح قادرة الحفاظ على استقلاليتها وستدخل حتماً في مواجهات ومحاصصات حزبية صريحة وإعادة تمكين دون إصلاح حقيقي سيما وأن صدور القانون، بهذه الطريقة، يكشف أن وزير العدل، بحكم الحضور المتأخر للبلاد، لم يفلت من أحضان التكتلات السياسية وغيرها. وزير العدل، من تلقاء نفسه أو بسبب الضغط الذي وقع عليه، واثب صدور القانون مهملاً قوانين أولى، ومقررة صراحة بموجب الوثيقة الدستورية فتأخر صدورها بعد أن تجاوزت مرحلة مجلس الوزراء وباتت بانتظار الاجتماع المشترك لمجلسي السيادة والوزراء. في ظل هذه المعطيات صدور القانون ينبئ بنُذر مواجهة صريحة مع كليات القانون، المحامين والسلطة القضائية لرفضهم التدخل بحسبان الضمانة لاستقلال مهنهم صدور قوانين للمحاماة ومجلس القضاء العالي وقانون النيابة العامة والمحكمة الدستورية وليس بقانون محكوم بقبضة من اقترحوه ودعموا صدوره بكافة السبل طامحين لمكاسب شخصية، ليسيطروا، ليس على القضاء وحده وإنما كافة الأجهزة العدلية بأسوأ من نظام المخلوع.
وقال عبد العظيم أن النظام البائد أفسد جميع مؤسسات الدولة بما فيها القضاء ومهنة المحاماة ونقابتها، مع ذلك يبقى لا سبيل للبناء إلا باتباع المبادىء التي من أجلها اندلعت الثورة والمتمثلة في سيادة حكم القانون، استقلال القضاء والفصل بين السلطات. فما لم تُتبع هذه المبادىء وبصرامة، فلن تتحقق دولة القانون. وردد لا يجوز أن ننادي بمبدأ لا نطبقه على أنفسنا، فالمبادىء لا تتجزأ ولا تتحقق إلا بإعمالها غير منقوصة على أعناق الحالمين برئاسة القضاء.
صحيفة أول النهار