غير مصنف 2

الإسكان التعاوني بالبلاد…. بين (التنظير) والتطبيق!!

السودان اليوم:
في ظل أزمة السكن التي يعاني منها أغلب السودانيين، هل يمكن لمشروع الإسكان التعاوني أن يكون أحد الحلول لهذه المشكلة المستفحلة؟ وما هي العوامل التي تمكِّنه من المساهمةِ في تنفيذِ مخططات سكنية كُبرى لشريحة المحتاجين من بني وطني وما أكثرهم؟ وهل هنالك تجارب لدول أخرى نفَّذت مشروع الإسكان التعاوني؟ وإذا جاءت الإجابة بـ(نعم)، فما هي الوسائل التي اتبعتها تلك الدول؟ وقبل ذلك كله ما المقصود بـ(الإسكان التعاوني)؟…
الاستفهامات الواردة عاليه؛ وغيرها، نسعى من خلال السطور التالية للبحث عن إجابات لها، فهيَّا بنا إلى التفاصيل.

ما هو الإسكان التعاوني؟
بدأتُ تحقيقي هذا بسؤالٍ طرحته على عدد من زملائي الصحفيين عمَّا يعرفونه عن الإسكان التعاوني، وبكل صدق فقد تشابهت إجاباتهم جميعاً بأنهم لا يعرفون عنه شيئاً، بل لم يسمعوا به البتَّة. وبالضرورة؛ إذا كان الصحفيون الذين (يُطاردون) الأخبار في كل مكانٍ وزمان، يجهلون كل شيء عن الإسكان التعاوني فمن باب أولى ألَّا يسمع به (العامة).
المهندس د. “الفاضل علي آدم” أحد الاستشاريين المُختصين في هذا الشأن، قال لـ(السوداني): إنَّ فكرة (الإسكان التعاوني) قديمة جداً، وهي تعني أن يتعاون السُكَّان على بناء منازلهم بأنفسهم بطريقة تشبه (النفير)، على أن تتولَّى الحكومة الدعم (اللوجستي) بتوفير مُعاينات البناء بشروط مُيسَّرة لمواطنيها، وهي فكرة قديمة تعود إلى خمسينيات القرن الماضي، وقد ظهرت في كثير من دول العالم الثالث، وفي السودان تحديداً ارتبطت التجربة بظهور عدد من التعاونيات منها على سبيل المثال تعاونيات (الطواحين) التي انتشرت بكثرة وقتذاك، لكن بالنسبة للإسكان التعاوني تحديداً فكل ما حدث كان عبارة عن (تنظير) لم ينزل إلى أرض الواقع حتى تلاشت الفكرة، رغم تخصيص بنك لتوفير التمويل ودعم مشروع الإسكان التعاوني. وأشار د. الفاضل إلى أن فشل المشروع آنئذٍ سببه عدم معرفة القائمين على أمره بالمطلوبات التي من شأنها نجاح فكرة ممتازة كانت كفيلة بأن تصبح نبراساً وحلاً ناجعاً لمشكلة الإسكان بالسودان حتى يوم الناس هذا.

بيع إيجاري
وللتوغُّل أكثر سألت (السوداني) مهندس مدني مارس المهنة في ثمانينيات القرن الماضي الريح عبد الكريم حسين، عن الفرق بين الإسكاني التعاوني والسكن الشعبي فقال: إنَّ الأخير تتكفَّل فيه الدولة بإنشاء المنزل كاملاً ثم تسلِّمه للمواطن عبر الأقساط المُريحة وهي فكرة ممتازة جداً خصوصاً وأن مثل هذه المشاريع تتناسب مع الشرائح الضعيفة، أما الإسكان التعاوني فالدولة تقوم بتوفير الأرض ومن ثم دعم مواد البناء وتقديمها للمواطنين (عيناً) عبر التمويل البنكي. وأضاف الريح أنه في عهد الاستعمار وتحديداً خلال الفترة بين (1948- 1952م ) نفَّذت الحكومة مشروعاً عُرف بـاسم (البيع الإيجاري) وقد استهدفت عبره شريحة الموظفين بحيث تتم معرفة راتب الموظف وعلى أساسها تُخصم منه أقساط طويلة الأجل ومقابل ذلك يتم تسليم هذا الموظف منزلاً جاهزاً. مشيراً إلى أنه وبعد انتهاء حقبة الاستعمار دخل البنك العقاري في خط الإسكان حيث كان يموّل الموظفين وأصحاب الدخول المحدودة بسلفيات مالية وعينية وذلك تحت إشراف مهندسين يسهمون في عملية البناء، وطوال تلك الفترة لم يتوقف الحديث عن الإسكان التعاوني ليس في السودان فحسب بل حتى في أمريكا اللاتينية واليونان، وإثيوبيا وزمبابوي ومالي والمغرب وتونس، حيث كان المشروع يتلقَّى تمويلاً ودعماً من الأمم المتحدة.

(….) هكذا تنجح التجربة
مقاول معروف وقديم جداً بأم درمان هو محمد عبد المطلب الزبير، سألته عن المطلوب من الدولة لإنجاح مشروع الإسكان التعاوني، فأجابني بقوله: أن توفِّر الأراضي وتسهم في دعم مواد البناء من خلال الإعفاءات الجمركية للمواد المستوردة وكذلك إلغاء أو تخفيض الضرائب والرسوم لأقل نسبة مُمكنة، خصوصاً على المواد المحلية التي تدخل في الإنشاءات العمرانية. وأيضاً لا بد من الاستفادة من تجارب الدول الأخرى التي نهضت عمرانياً عبر مشروع الإسكان التعاوني، وهنا يتطابق حديث الرجُل مع رأي قاله عدد من المهندسين الذين استنطقتهم (السوداني) حيث أجمعوا أن هنالك تجربة رائدة في هذا المجال، نجحت الدولة التونسية في تطبيقها عندما قامت بتخصيص صندوق تكافلي خاص بالإسكان على أن يشارك في دعم هذا الصندوق كل الشعب التونسي بدءاً بالرئيس وختماً بأصغر عامل بالدولة، وهكذا نجح المشروع وأصبح المواطن التونسي لا يعاني من مشكلة مأوى على الاطلاق.

تجربة عملية مُشابهة
المهندس دكتور الفاضل علي آدم، عاد ليؤكد أن هنالك تجربة مشابهة تم تطبيقها في السودان عبر منظمة بريطانية اسمها (التقنية الوسيطة للبناء).. وزاد بقوله: لقد تمت الاستعانة بشخصي كاستشاري حيث قمنا بتدريب بعض المهندسين والعمال في كل من كسلا والفاشر على عمل الانشاءات والمباني وقد حققت التجربة نجاحاً كبيراً واستفاد منها الكثيرون في إنشاء منازلهم.

شريحة مُهمَّة جداً
ويقول الخبير في مجال التعاونيات صالح محمد عماد الدين، لـ(السوداني) إن الإسكان التعاوني يلعب دوراً مهماً وبارزاً في توفير المساكن لذوي الدخول المحدودة والمنخفضة، ويمكن تحقيق هذا المُبتغى من خلال إنشاء عدد كبير، بحيث تكون البداية مثلاً بخمسين جمعية إسكان تعاوني مستقلة، تنتشر في كل ربوع السودان على أن يكون النصيب الأوفر للعاصمة الخرطوم لأنها تستوعب العدد الأكبر على مستوى السودان، ويمكن الاستفادة من تجارب ناجحة لهذه الجمعيات بدول أخرى كجمهورية مصر مثلا والتي استطاعت من خلال الاسكان التعاوني أن تنشئ مشروعات سكنية متنوعة لبَّت احتياجات كثير من الشرائح المستهدفة من ناحية السعر والمساحة والجودة. ويضيف بقوله: لا يُخفى على أحد أن السودانيين في العقد الأخير ظلوا يُعانون من أزمة سكن مُستفحلة في مختلف الولايات لا سيما الخرطوم، وهناك حاجة ماسة الآن لأكثر من مليون وحدة سكنية، أما خلال السنوات العشر القادمة فنحتاج إلى مضاعفة العدد المذكور مرات ومرات، وهذا الرقم يصعب إنجازه لوزارات الشؤون الهندسية بالعاصمة والولايات، وكذلك صندوق الإسكان والتعمير ومعهما القطاع الخاص، إلا إذا كانت هنالك مصادر أخرى يمكن أن تسهم في ضخ وحدات سكنية يستفيد منها أفراد بالمجتمع لا يستطيعون الشراء المباشر من القطاع الخاص كما أن دخلهم لا يتوافق مع شروط وزارة الإسكان والبنوك وشركات التمويل. وبالتالي لحلِّ مشكلة هؤلاء يمكن أن تقوم جمعيات الإسكان التعاوني بهذه المهمة وذلك بسد الفجوة من خلال تقديم منتجات سكنية لشريحة ربما كانت نسبتها هي الأغلب لطالبي السكن وبكل تأكيد يقف أولئك بين متوسطي الدخل ومستحقي الزكاة.
حزب الأغلبية..!!

ويقول الأكاديمي أستاذ الاقتصاد د. إبراهيم الشيخ إدريس لـ(السوداني) إنَّ الشريحة التي يمكن أن تغطيها جمعيات الإسكان التعاوني – في حال قيامها- تُمثِّل الأغلبية من طالبي السكن والذين يصعب خدمتهم من قبل الجهات الحكومية المسؤولة عن مشاريع الإسكان وبطبيعة الحال قد تتراوح دخول هؤلاء بين المتواضع؛ والمتواضع جداً ولذا فهُم أولى بالاهتمام من غيرهم نسبة لحاجتهم الملحة للسكن وفي نفس الوقت عدم قدرتهم للحصول عليه.. ومن هنا فإنَّ ثمَّة ضرورة مُلحَّة تقتضي السعي الجاد منذ الآن لإنشاء جمعيات تعاونية خاصة بالإسكان على أن تعمل بمرونة، وتتبع نظام تعاوني مُختلف حتى لا نعيد تكرار التجارب الفاشلة ببلادنا وما أكثرها، ولتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي ينبغي أن تعمل هذه الجمعيات بميزانية مفتوحة ويمكن مشاركة الجميع فيها أفراداً ومؤسسات كمستثمرين في هذه الجمعيات، ويمكن أن تدخل في تحالفات استراتيجية مع القطاع الخاص من مطورين وموردين ومقاولين وتجار لتنفيذ المشروعات السكنية المتنوعة التي تخدم شريحة محدودي الدخل في مختلف المناطق وبأسعار في متناول يد الشرائح المستهدفة..

مُبادرات خلَّاقة
وبخبرته الممتدة في هذا المجال؛ يؤكد المهندس الفاضل آدم لـ(السوداني) أن الإسكان التعاوني يمكنه تحقيق أهداف استراتيجية تسعى لها الجهات الحكومية المعنية بشؤون التنمية الاجتماعية والإسكان وهو تقديم مساكن لشرائح تستهدفها هاتين الجهتين الحكوميتين وهما وزارة العمل والتنمية الاجتماعية ووزارة الإسكان وذلك من خلال دعم مشروع الإسكان التعاوني وتقديم المبادرات الخلَّاقة بواسطة الخبراء ومن ثم السعي الجاد لإنزالها على أرض الواقع.

The post الإسكان التعاوني بالبلاد…. بين (التنظير) والتطبيق!! appeared first on السودان اليوم.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى