أثار قرار لجنة إزالة التمكين مؤخراً بإعفاء عدد من المستشارين القانونيين والقضاة ووكلاء النيابات، موجة من الجدل لما يحدث داخل المؤسسات العدلية وحجم التمكين السياسي الذي مارسه النظام البائد بها وأوجه التغيير بعد تولي حكومة الثورة لمقاليد الحكم، ولعل ما لفت انتباه الكثيرين هو عمل ضباط من جهاز الأمن بالمؤسسات العدلية لتنفيذ سياسة البائد، وتعيين آخرين أتى بهم الولاء والانتماء للحزب المحلول، هذا بالإضافة لسن قوانين وتعديلها بما تقضيه حاجة النظام.
تجاوزات النائب العام
مستشار قانوني سابق بوزارة العدل تمت إحالته للصالح العام بواسطة لجنة إزالة التمكين أكد لـ(السوداني) أن المؤسسات العدلية تشهد تجاوزات قانونية، مشيراً إلى أن النائب العام تاج السر الحبر يضع مواد ويوجه التهمة قبل أن يقرأ المحضر، مشدداً على أن صدور التوجيهات من خلال تلك المواد تجعل النيابة العامة تقوم بما يريده النائب وليس الوقاية، لافتاً إلى أن هذا لم يحدث خلال الـ 30 عاماً الماضية.
ووصف المستشار إعطاء لجنة إزالة التمكين سلطات للإطاحة بمستشارين وقضاة ووكلاء نيابات بـ”التصفية السياسية”، منوهاً إلى أن القاضى يعلم وهو يعمل باللجنة ان لم يسير على خطها ستتم الإطاحة به أيضاً.
وكشف المستشار عن تقدمه سابقاً بخطاب لوزير العدل مولانا نصر الدين عبد الباري حول تشكيلات بالوزارة لم تكن موجودة من قبل وتم تشكيلها قبل إصدار قانون لها كنادي القضاة ونادي المستشارين، مشيراً إلى أن هذا يقود لتسييس العدالة ويشكل خطراً على أجهزتها.
التمكين مازال موجوداً
القيادي بالحرية والتغيير ساطع الحاج أكد أن التمكين داخل المؤسسات العدلية مازال موجوداً، مشيراً إلى وجود عدد من القضاة ووكلاء نيابات ومستشارين غير مؤهلين وكان قد تم استيعابهم لولائهم للحركة الإسلامية، واصفاً إياههم بغير المحايدين وغير الشفافين في معالجة الكثير من القضايا العدلية.
وأوضح ساطع في تصريحه لـ(السوداني) أمس الأول، أن عدداً من منسوبي المؤسسات العدلية كانوا ضباطاً بجهاز الأمن والمخابرات لتحقيق وتنفيذ سياسة الجهاز، مشدداً على ضرورة التحقيق معهم لما ارتكبوه من مخالفات في حق العدالة والقانون.
ونفى ساطع ما يتم تداوله في عدد من الأوساط بعودة نيابة أمن الدولة، لافتاً إلى عدم إيقاف أي معتقلين إلا بما يتعلق بتهم الفساد وغسل الأموال وما إلى ذلك من جرائم.
إزالة التمكين القانوني
وترى أستاذة القانون الدستوري والدولي بجامعة النيلين د. زحل الأمين أن نظام الإنقاذ سيس المؤسسات العدلية من ناحية المؤسسات نفسها ومن ناحية الأفراد الذين يشغلونها، مشددة على أن التعيينات بالقضائية والنيابة العامة ووزارة العدل كانت تقوم على أسس تنظيمية لتنفيذ أجندة التنظيم المتعلقة بتنفيذ القوانين والمحاكمات والتحقيقات وعدم الاعتراض على ما يفعله التنظيم.
وأكدت زحل في حديثها لـ(السوداني) أن إصلاح المؤسسات العدلية مستمر لكنه لم يصل لمرحلة الاستقلالية الكاملة وإزالة التمكين بكل أوجهه، مشيرة إلى أن قانون المفوضية القضائية تم تقديمه وقيد الدراسة ولكنه لم يصدر بعد.
وأوضحت زحل أن النيابة العامة أصبحت غير مسيسة نسبة لحدوث إصلاحات بها وإلغاء التعيينات السياسية.
ونوهت زحل إلى أن إزالة التمكين بالمؤسسات العدلية كان بإلغاء وتعديل وإجازة بعض القوانين التي تتعارض بما جاء في الوثيقة الدستورية، لافتة إلى إلغاء القوانين المقيدة للحريات وتعديل القانون الجنائي وإجازة قانون تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 89 ومحاربة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة والذي تعمل به حالياً لجنة إزالة التمكين.
المعتقلون نقطة سوداء
المحلل السياسي د. الحاج حمد يذهب في حديثه لـ(السوداني) إلى أن النظام البائد كان يتدخل في عمل المؤسسات العدلية، مؤكداً أن تلك المؤسسات حوت رجال أمن لتنفيذ سياسة النظام.
وقطع حمد بأن الاستقلالية والنزاهة سمات شخصية للقضاة إلا أن وجود ديكتاتور ونظام شمولي ينتج بالضرورة فساداً بالنظام العدلي ككل، مشيراً إلى أن هذا كان بمثابة تركة من النظام المباد لحكومة الفترة الانتقالية.
وشدد حمد على وجوب إزالة التمكين بصورة نهائية وتحقيق العدالة داخل المؤسسات العدلية أولاً بالإصلاح، لافتاً إلى أن عدم تقديم معتقلي النظام البائد للمحاكمة يشكل نقطة سوداء في الصحائف العدلية بعكس ما نادت به ثورة ديسمبر المجيدة.
خلفية المؤسسات
المؤسسات العدلية حظيت باهتمام كبير من حكومة الثورة لأن العدالة مثلت ثلثي مبادئ ثورة ديسمبر المجيدة للوصول لدولة سيادة حكم القانون، فبعد تولي مولانا نصر الدين عبد الباري لمنصب وزير العدل أتى تعيين النائب العام ورئيس القضاء كإعادة لهيكلة مؤسسات العدل بعد ضغط من الشارع ومطالبات مستمرة بالتعجيل لتعيينهما تحقيقاً للعدالة وقصاصاً لشهداء الثورة، وتوالت الإصلاحات بإعلان لجنة إزالة التمكين خلال مؤتمرين سابقين إعفاء عدد من أفراد المؤسسات العدلية، عطفًا على إجازة قوانين وتعديل بعضها وإلغاء أخرى.
هبة علي
صحيفة السوداني