الانتباهة اون لاين موقع اخباري شامل
* تحت هذا العنوان نشر لي المقال أدناه بصحيفة الصيحة يوم 23 نوفمبر 2014م عندما بدأ الفساد يستشري بين المسؤولين والتنفيذيين ورجال الأعمال والمؤلفة قلوبهم . * فهل كانوا لا يقرأون ، أم أنهم لايسمعون؟ * جاء في المقال: (وراء كل ثروة عظمة جريمة) هكذا قال الفيلسوف والكاتب البريطاني فرانسيس بيكون رابطاً تحقيق أي ثروة عظيمة بوقوع جريمة كانت السبب وراء تحقيق تلك الثروة العظيمة. قول سارت به الركبان والعربان وأصبح مساحة جدل بين الفلاسفة والعلماء والمنظرين فهل حقاً وراء كل ثروة عظيمة جريمة ؟ أم أنه قول من بنات أفكار فيلسوف منظراتي أراد أن يقول للناس ليس في الإمكان تحقيق ثروة عظيمة في ليلة وعشائها إلا من خلال تجاوز عن طريقه يتم الحصول على الثروة العظيمة والثراء الكبير . وهذا التجاوز أياً كان نوعه وحجمه يقع تحت طائلة القانون جريمة يعاقب عليها مرتكبيها . الناظر من خلال هذا القول إلى الواقع الذي تعيشه في وطننا اليوم وقد كثر الحديث عن الثراء الفاحش والفساد الذي أستشرى بين الناس بمختلف إنتماءاتهم ومستوياتهم ونشاطاتهم ووظائفهم وخلفياتهم حتى أصبح الحديث عنه والهجوم عليه والمطالبة بمحاربة الفساد والمفسدين وقطع رؤوسهم يخرج عن البرلمان والصحف والمجالس والناس أجمعين. لم يكن في الماضي يتحدث الناس عن فساد أو جرائم كانت وراء ثروة عظيمة لرجال أعمال أو أسرة من الأسر السودانية . ولم يكن يظهر الثراء على الناس من عدم أو مفاجئ ولكن كان معلوماً كيف بني فلان ثروته وكيف كانت بدايته وسيرته وسلوكه وتعامله إلى أن وصل إلى ما هو عليه من ثراء وأملاك وجاه . كانت بداية كل صاحب ثروة عظيمة معروفة للناس معلومة تفاصيلها حتى أصبح الحديث عنها يتناقله الناس متى ما ذكر صاحبها، وكان صاحبها يحكي عن تجربته وبدايته بكل فخر وعزة نفس وشموخ تؤكد عصاميته وكريم خلقه وأصالة جذوره ونقاء سريرته . أنظر أخي إلى كل الأسر السودانية التي كانت لها ثروة كبيرة وإلى كل رجل أعمال حقق ثروة عظيمة وبنى مجداً تحكي عنه الأجيال، نجد أن لرب كل أسرة من تلك الأسر وصاحب كل عمل من رجال الأعمال بداية متواضعة عانى كثيرا في بدايتها فصبر عليها ورعاها بمصداقيته وأمانته وتعامله مع الناس حتى وصل بها إلى نجاحات عظام وحقق من ورائها المال والثراء. منهم من عمل في تجارة الجلود يجمعها من الجزارين والأحياء ويعالجها حتى لا تفسد ويبيعها عند الطلب بجنيهات قليلة وبالصبر والمصابرة والرضا والقناعة جمع جنيهاً فوق جنيه حتى أصبحت عنده ثروة وبمرور الزمن أصبح من أصحاب المصانع التي تدعم الإقتصاد القومي. ومنهم من بدأ بيع الحليب من فوق حماره فكانت تلك بداية الإنطلاقة الكبرى لتحقيق تجارة واسعة في مجال إحتياجات الناس ، فإمتدت تجارته لتصل لكل أنحاء السودان وبناء علاقات خارجية قامت على المصداقية والأمانة فكانت ثمارها أجود البضائع قيمة . ومنهم من كان عاملاً في مصلحة من مؤسسات الدولة فلم يخجل من عمله فبدأ تجارته من تحت الصفر وأصبح بمرور الزمن من أكبر أصحاب الأموال . ومنهم من كان سائق عربة ومنهم من كان فراناً ومنهم من كان “سقا” ، وغيرهم كثر تركوا بصماتهم في حياة الناس لأجيال وأجيال، دور علم ومستشفيات ودور عبادة وآبار مياه تسقي الناس العطشى على إمتداد الوطن وأمتد عطاؤهم مصانع في وقتها كانت أن تغطي إحتياجات الناس ومشاريع زراعية مروية على ضفاف النيل وفي السهول، وأخرى مطرية كان إنتاجها يصل دول الجوار. عاشوا حياة بسيطة في أفراحهم وأترحاهم إن لم تكن تعرفهم تظن أنهم من عامة الناس وأقلهم ثراء لم يترفعوا ولم يتعالوا على الناس ولم يمشوا في الأرض مرحاً ولم يدعوا أنهم بالغو الجبال طولاً . وغير هؤلاء كثيراً من أصحاب المال ورجال الأعمال الذين حققوا ثروات عظيمة ولم نسمع عنهم فساداً أو جرائم إغترفوها . أما ما قاله الفيلسوف بيكون (وراء كل ثروة عظيمة جريمة) قول يفرض علينا النظر والتمعن في من أصبحوا يملكون ثروات عظيمة في فترة وجيزة ويصبح السؤال مشروعاً لكل إنسان، من أين لهم هذا الثراء؟ معظم الذين يمتلكون اليوم ثروات عظيمة كانت بدايتهم موظفون، ومهما علا شأن وظائفهم لا يتعدى دخلهم متطلبات حياتهم الضرورية ، فكيف وصولوا الى ما بين أيديهم من ثراء إن لم تكن هنالك تجاوزات تحقق من وراءها ما وصلوا إليه من ثراء . نفترض أن هذا الموظف أو السياسي أصبح وزيرا وبقي في الوزارة عشر سنوات ويوفر من مخصصاته المرتب كاملا وهذا الوزير خمسه أيام في كل شهر خارج السودان ويستلم مخصصات السفر بالعملة الحرة (دولار) اربعمائه دولار في اليوم وضيافته مجانا وعلاجه مجانا والصرف على بيته من نثرياته . كم سيكون له في نهاية عشر سنوات من الاستوزار؟؟ إذا أليس الفيلسوف بيكون على حق – إذا قال (وراء كل ثروة عظيمة جريمة) . والذين يمتلكون أراضي استثمارية بطرق ملتوية أليس في ذلك جريمة.؟ والذين يتحصلون على مرابحات مليارية برهونات لا تساوي عشرة في المائة من قيمتها أليس في ذلك جريمة.؟ والذين يمتلكون أصول البنوك عند طرحها للبيع بتراب القروش عن طريق الدغمسة وهم أعضاء في مجالس إدارتها ، أليس في ذلك جريمة.؟ والذين يبيعون البضائع الفاسدة والمنتهية صلاحيتها بعد تعديل ديباجاتها ويحققون بذلك ثروات عظيمة ، أليس في ذلك جريمة.؟ والذين لم تتجاوز أعمارهم العقد الرابع وجاءوا من إطراف المدينة فقراء حافية أقدامهم وأصبحوا يمتلكون العمارات والقصور والفلل في ارقي الإحياء ويركبون الفارهات من السيارات ، أليس من وراء ثراءهم جرائم.؟ فتشوا أنفسكم أيها الأثرياء واسعوا في التحلل قبل الممات ولا تتركوا لصغاركم أموالا حراماً وترفقوا بهذا الوطن العزيز وبشعبه الأبي الكريم، والموت اقرب من حبل الوريد ولكل اجل كتاب . أقول ذلك وكأنني أري الفيلسوف فرانسيس بيكون يخاطبكم انتم دون غيركم قائلا: وراء كل ثروة عظيمة جريمة . فريق ركن ابراهيم الرشيد علي المدير الاسبق لأكادمية نميري العسكرية العليا
The post السودان: الفريق ركن إبراهيم الرشيد يكتب: الثروة والجريمة والفساد appeared first on الانتباهة أون لاين.