السودان اليوم:
في الثلاثين من يونيو من العام الماضي والذي يصادف اليوم، كان المجلس العسكري او ما يسمى باللجنة الأمنية لنظام البشير، يرى أن جذوة الثورة والثوار قد خمدت وانطفأ نورها وبريقها، وذلك عقب تنفيذ مجزرة القيادة العامة التي اتهم فيها ذات المجلس العسكري، بعدها بدأ الاستعداد لمليونية الـ30 من يونيو منذ وقت مبكر حيث تداول نشطاء التواصل الاجتماعي والثوار وقتها، هاشتاغاً داعما للمليونية، وتصدر الهاشتاغ (# راقبوا السودان في 30 يونيو) باللغتين العربية والانجليزية، منصات التواصل في الدول العربية والمحلية، بجانب اللافتات التي كتبت على الجدران والشوارع حيث حملت عناوين تدعوا للقصاص لشهداء القيادة العامة، بجانب الدعوات لموكب الـ 30 من يونيو.
الخرطوم: أحمد جبارة
دعوة التجمع
في خضم ذلك كان تجمع المهنيين القائد الفعلي للثورة، يدعو الثوار إلى ما اسماه مليونية مواكب الشهداء وتحقيق السلطة المدنية، ويخبرهم بأن الثورة متقدة ولن تموت، ويضيف التجمع قائلا لننطلق بصوت عال في الشوارع مجددا، ولنجعل المظاهرات يوم 30 من يونيو سطرا بارزا في الفصل الاخير لمسرحيات النظام المتاهلك ومجلسه العسكري، ويمضي التجمع: الثوار ماضون في طريق الثورة بثبات ومليونية 30 يونيو ستكون ردا قويا على هذا السلوك الدكتاتوري، في إشارة منه لممارسة المجلس العسكري لقمع الحريات وقطعه لشبكة التواصل الاجتماعي وقتها.
حميدتي يحذر
بالمقابل فإن هذه الدعوات وقتها قوبلت بالتحذير والتهديد من قبل اعضاء المجلس العسكري، إذ قال نائب رئيس المجلس العسكري محمد حمدان (حميدتي) اخوانا البدعوا لمسيرة مليونية 30 يونيو، نحن ما ضد الناس ولا ضد السلمية مؤكداً حماية الجيش للتظاهرات، ومحملاً في ذات الوقت قوى التغيير عن اي روح تزهق في هذه المسيرة. وأكّد رئيس المجلس العسكري الفريق أول عبد الفتاح البرهان في خطاب له قبل مليونية 30 يونيو2019، أنّ الجيش لن يسلّم السلطة إلا لحكومة منتخبة يرضى عنها الشعب السوداني، وحذر نائب رئيس المجلس العسكري الفريق محمد حمدان دقلو وقتها، من أنه لن يتسامح مع محاولات التخريب التي قد تتخلل تظاهرة مليونية الثلاثين من يونيو، وشدد على أن الجيش سيسلم السلطة لحكومة مدنية.
ماذا حدث؟
وفقاً لمسارات الموكب والذي حددها تجمع المهنيين وقتها، فإن ملونية 30 يونيو كانت تتوجه إلى منازل الشهداء وذلك لدعم أسرهم والاشادة بهم، لكن سرعان ما تخلى الثوار عن اماكن التجمع وفقا لمسار المليونية المحدد له، إذ تحركوا تجاه القصر الجمهوري حيث رددوا هتافات تنادي بالقصاص لشهداء القيادة العامة، وتطالب المجلس العسكري بتسليم السلطة لحكومة مدنية، قوبلت المظاهرات وقتها بمستوى شديد من القمع، ووفقا لما ذكرته لجنة الاطباء المركزية فإن خمسة حالات وفاة وقعت خلال المليونية، حيث قامت قوات الأمن بالرد على الثوار بإطلاق الغاز المسيل للدموع والرصاص الحي، وفي الاثناء تظاهر الملايين في امدرمان قبالة جسر النيل الابيض حينها حدث كر وفر بين الثوار والاجهزة الأمنية، الأمر جعل الثوار يتفرقون في اتجهات مختلفة ووفقا لشهود عيان وقتها فإنه تم العثور على جثث عدد من الثوار الذين كانوا في المليونية، في وقت قال فيه نائب المجلس المجلس العسكري الفريق حميدتي إن هنالك قناصة على سطح قصر الشباب والاطفال وأن ثلاثة من قوات الدعم السريع وخمسة مدنيين قد اصيبوا بهذا بالرصاص.
الولايات على الخط
لم تكن الخرطوم وحدها التي خرجت في ذاك اليوم، إذ لحقتها كلّ من عطبرة، ود مدني والقضارف وكسلا وبورتسودان ونيالا والابيض، وجنوب كردفان والفاشر، وغيرها من المدن السودانية التي حركها ما حدث للثوار في مقر قيادة الجيش، وكانت القوات الأمنية قابلت تلك التظاهرات بالغاز المسيل للدموع وإطلاق الرصاص الحي، ووفقا لما ذكرته لجنة الاطباء المركزية فإن ثمة متظاهرين قتلوا في مدينة عطبرة، في وقت اصيب اخرون في ولايات القضارف وبورتسودان .
يوم مفصلي
يقول القيادي بالحزب الشيوعي صدقي كبلو، إن موكب 30 من يونيو كان منعطفا حادا بين الانتكاسة والانتصار للثورة، ويضيف، لو لا نجاح موكب 30 من يونيو لقُضي على الثورة وعدنا لحكم عسكري جديد، واستدرك، لكن نجاح موكب 30 من يونيو وسيطرة الجماهير على الشارع أعطت رسائل للمجلس العسكري فحواها (أن الثورة مازالت حية وأن فض الاعتصام لن يؤدي إلى نهاية الثورة)، وقال كبلو في حديث خص به (الجريدة): ماحدث بعد 30 يونيو لايساوي حجم الهدف الذي قامت به الجماهير في موكب الثلاثين من يونيو، لجهة أنه حدثت مساومة مع المجلس العسكري، قادت إلى سيطرة العسكر على السلطة بحيث اعطتهم الجيش والاجهزة الأمنية، وزاد: حتى لو قبلت قوى التغيير في ذلك الوقت بوجود العساكر في السلطة كان من المفترض أن يكون هنالك سلطات واسعة للمدنيين، معتبرا هذا تراجعا من قوى التغيير في ظل ثورة منتصرة بفعل موكب الثلاثين من يونيو .
حكمة الثوار
كبلو في حديثه مع (الجريدة) اقر بأن مفاوضين قوى التغيير في ذلك الوقت لم يكونوا بمستوى وحجم موكب الثلاثين من يونيو، وهنا يقول كبلو هذا هو سبب خلاف الحزب الشيوعي في ذلك الوقت مع قوى الحرية والتغيير في عدم قبولهم بالوثيقة الدستورية، وفي رؤيتهم لشكل العسكر في السلطة واضاف الوثيقة الدستورية كان يفترض أن تعطي سلطات اقل للعسكر، ويفترض أن تعبر عن إرادة الثورة والثوار، وكل هذا في نظر كبلو لم يحدث، وعلق كبلو على موكب اليوم بالقول الحكومة تتخوف من الجماهير من أن يكون مطالبهم أعلى في هذا الموكب لذلك قبلوا بالمطالب التي قدمتها لهم لجان المقاومة، والتي سبقت الموكب واصفا هذه المطالب بالاشياء “العادية” وتدخل في سياق تكملة اهداف الثورة، لافتا إلى أن الثوار في هذا الموكب سيتعاملون معه بحكمة، وذلك قراراً على الموجهات التي ستقوم بها لجان المقاومة وهي أن تكون المليونية وفقاً للموجهات الصحية، وعدم صعودهم للجسور التي اغلقتها السلطات، بالاضافة إلى الالتزام بالمواكب داخل الاحياء وعدم ذهابهم للخرطوم، واصفا كل هذه الخطوات بالحكمة، التي تعكس سليمة الثورة .
عنفوان الثورة
القيادي بقوى الحرية والتغيير الطيب العباسي لم يذهب بعيداً عن حديث كبلو إذ قال في إفادته لـ(الجريدة): إن موكب الثلاثين من يونيو في العام الماضي، اظهر القوة الحقيقية لعنفوان الثورة ولا يمكن أن يُنسى من ذاكرة السودانيين، كما كان ذات اليوم هو انتصار عظيم ودرس لكل عسكري يريد أن يتمشدق ويحاول أن يسيطر على السلطة بمفهوم شمولي وديكتاتوري، واضاف كذلك موكب 30 يونيو يعد تعبيرا حقيقيا لشعارات الثورة وفيه رسالة للعالم فحواها: أن الشعب السوداني معلم الشعوب في الثورات تاريخيا وحديثا، وأن ذلك اليوم ازاح حكم العسكر للأبد في السودان، واقر العباسي بأن قوى التغيير بعد هذا اليوم وقعت في اخطأ كثيرة ابرزها ضعفها في التفاوض ومساومتها للعسكر، ويضيف، ماحدث بعد 30 يونيو لا يليق بحجم هذا اليوم .
يوم خالد
يقول الكاتب والاكاديمي الدكتور النور حمد، إن 30 يونيو يوماً سيبقى معلما بارزا في تاريخ السودان الحديث لجهة إنه يوم انتصار قوة السلم على آلة الحرب، وانتصار قوة الاجماع الشعبي على الاستئساد المتمثل في قوة السلاح، ويضيف حمد، 30 يونيو هو غرة ايامنا في مضمار الكفاح نحو الحرية والسلام والعدالة، ويقترح الكاتب في زوايته الراتبة بصحيفة (التيار)، وتخليدا لذكرى 30 يونيو أن يقام لهذا اليوم قوس قال عنه يكون شبيها لقوس النصر القائم في قلب باريس، ويرى النور أن الامم يجب أن يخلد تاريخها في مجسمات، وأن تكون هنالك عطلة رسمية وسنوية في هذا اليوم، ودعا حمد الثوار في هذا اليوم إلى ضرورة الالتزام بروح الثورة المتمثلة في الانضباط والمسؤولية وأن يكون الاحتفال في وقت محدد ببداية ونهاية باعتبار الظروف الصحية التي تمر بها البلاد .
يوم التوازن
ولان 30 يونيو هو تاريخ اعاد لثورة ديسمبر توازنها، لاسيما بعد صدمة فض اعتصام القيادة العامة، كان لزاما على قوى التغيير، أن تجدد هذا التاريخ كل عام، حيث قال تحالف الإجماع الوطني احد فصائل قوى الحرية و التغيير قال في بيان له إن تاريخ الثلاثين من يونيو لم يعد ذكرى، بأي حال من الأحوال، ولكنه وبعد مضى عام، يجسد أحوال الثورة الدائمة في مواجهة بقايا النظام السابق وفلوله. وشدد البيان الذي اطلعت عليه ( الجريدة ) على أن “30 يونيو” ليس مجرد تأريخ لقيام دولة البغي، من خلال السطو على السلطة في ليل الخديعة والخيانة، وإنما هو إشارة لسقوطها المزلزل تحت ضربات النضال الشعبي، وعهد بالانتصار، ووعد بالحرية والعدالة والسلام، مضيفا، أن الخروج في المليونية رغم خطورة لوضع الصحي والسياسي الذي تمر به البلاد، والذي يقتضي مع ذلك التقيد بالضوابط المقررة من السلطات المختصة فيما يخص محاربة جائحة كورونا، إنما اقتضته ضرورة التعبئة الشاملة للجماهير، ووضعها أمام مهمتها في دعم رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وحكومته، لتحقيق أهداف وشعارات الثورة.
لماذا المليونية؟
بيان التحالف اوضح اهداف المليونية حيث قال البيان إن المليونية تهدف للمطالبة بتحقيق السلام الشامل، وتطهير الخدمة المدنية والقوات النظامية من عناصر الإخوان، وتقديم رموز النظام الساقط لمحاكمات عادلة وعاجلة، علاوة على ضرورة اخذ القصاص للشهداء والكشف عن كافة الانتهاكات والتجاوزات بما في ذلك حالات الإختفاء والاستشهاد، وتقديم كافة المتورطين فيها للمحاكمات، بجانب إعادة المفصولين تعسفيا من الخدمة المدنية والشرطة والقوات المسلحة إلى العمل، وفق ما نصت عليه الوثيقة الدستورية، واستكمال مؤسسات السلطة الانتقالية بتسمية الولاة المدنيين، والإسراع بتكوين المجلس التشريعي والمفوضيات.
The post مليونية 30 يونيو…هل تشبه الليلة البارحة..؟ appeared first on السودان اليوم.