السودان اليوم:
اليسار لا سيما الحزب الشيوعي سيطر وفرض هيمنته في حكومة أكتوبر الأولي ( نوفمبر 1964م إلي أوائل فبراير عام 1965م) ورفع شعارات انتقامية مثل التطهير واجب وطني ولا زعامة للقدامي مع شتم الأحزاب الكبيرة بمقاييس ذلك الزمان ووصفها بأنها تقليدية رجعية وأعلنوا أنهم سيمدون الفترة الانتقالية لأجل غير مسمي ولما كثرت إساءاتهم وتحرشاتهم واستفزازاتهم تصدت لهم قيادات تلك الأحزاب بقوة وحاصرت جماهيرهم الغفيرة الهادرة مجلس الوزراء وطالبت بحل تلك الحكومة التي افترت وازدرت رغم ضآلة سندها الجماهيري وقدم الأستاذ سر الختم الخليفة رئيس الوزراء استقالته وقبلها مجلس السيادة فوراً وتلقائياً حلت تلك الحكومة وبالاتفاق مع قيادات الأحزاب كلف مجلس السيادة الأستاذ سر الختم الخليفة بتكوين حكومة اكتوبر الثانية وسبب تكليفه مرةً أخري أنه كان مستقلاً ولم يكن له إنتماء حزبي وفي الحكومة الثانية كان للحزب الشيوعي وزير واحد هو الأستاذ أحمد سليمان المحامي وزير الزراعة والغابات وفي تلك الفترة الانتقالية وما قبلها كانت أوضاع المواطنين المعيشية مستقرة وفقاً لمتطلبات تلك الفترة وكانت الخدمة المدنية راسخة وفي قمة انضباطها وفي حكومة اكتوبر الثانية التي كان أداؤها أفضل كثيراً من أداء حكومة إكتوبر الأولي عقد مؤتمر المائدة المستديرة لمناقشة مشكلة جنوب السودان والسعي لايجاد حل لها وترأس جلسات المؤتمر البروفسور النذير دفع الله مدير جامعة الخرطوم وسكرتارية الأستاذ محمد عمر بشير وقدمت أوراق ومستندات وألقي زعماء وقادة الأحزاب كلماتهم وثلاثة منهم كانوا شباباً في الثلاثينات من أعمارهم وهم السيد الصادق المهدي ودكتور حسن عبد الله الترابي والأستاذ عبد الخالق محجوب وكان الجنوبيون الذي حضروا المؤتمر جادين وواضحين في طرح رؤاهم ومنهم السيد أقري جادين الذي تحدث بكل صراحة وأعلن أنهم يفضلون الانفصال علي الوحدة ما لم تحدث تغييرات جذرية وبنيوية في المشهد السياسي وتحدث في المؤتمر الإداري المثقف والسياسي الحصيف السيد وليم دينق الذي أوضح رؤيته في حل مشكلة الجنوب وما ينبغي أن تكون عليه العلاقة بين شمال السودان وجنوبه مفضلاً النظام الفدرالي وكان المشاركون في المؤتمر من الشماليين والجنوبيين من السياسيين والأكاديميين والخبراء ناضجون جمرتهم التجارب وصقلتهم الخبرات وكانوا كلهم يسعون لإيجاد حلول ولم يشغلوا أنفسهم برفع سقوف المطالب للضغط والحصول علي المكاسب في المحاصصات وتوزيع المواقع التي لم تكن تشغل بالهم وكان المؤتمرون أصحاب قدرات عالية في المفاوضات ولذلك أحرزوا نتائج طيبة وتوصيات بني عليها واستفاد منها المتفاوضون من الطرفين في اتفاقية اديس أبابا في عام 1972م التي كانت مثل مؤتمر المائدة المستديرة لم تستغرق وقتاً طويلاً ….. وبعد خمسة وخمسين عاماً أعاد التاريخ نفسه وشكلت حكومة في المرحلة الراهنة تماثل تماماً حكومة اكتوبر الأولي وتتطابق معها كوقع الحافر علي الحافر في تصرفاتها وكيفية تسييرها للأمور والفرق بينهما أن تلك الحكومة وجدت أوضاع المواطنين المعيشية مستقرة وكانت الخدمة المدنية راسخة أما هذه الحكومة فقد سبقتها أزمات ووضع سئ ولكنها بعد تشكيلها في منتصف شهر اغسطس عام 2019م أي قبل عشرة أشهر أهملت في واجباتها الأساسية وانصرفت لمسائل انصرافية وأضحت قضايا المواطنين الحيوية وهمومهم المعيشية والخدمية خارج نطاق اهتماماتها ولذلك بلغت الأوضاع حداً من الرداءة والسوء لم تبلغه من قبل والفرق بين حكومة اكتوبر الأولي وهذه الحكومة المتطابقة معها في التصرفات أن تلك الحكومة استندت علي جبهة الهيئات ومكوناتها اليسارية كانت أكثر انسجاماً أما قوي الحرية والتغيير (قحت) حاضنة هذه الحكومة فانها تضم خليطاً غير متجانس ومشاربهم الفكرية متباينة والرابط الوحيد الذي كان يربطهم مرحلياً هو إسقاط النظام السابق وبسقوطه لم يعد هناك ما يجمعهم وحتي المتقاربين فكرياً فإن بعضهم غاضبين وناغمين لأنهم لم يأخذوا من كيكة السلطة لقاء ما قاموا به من هتافات واعتصامات أو حتي اعتقال امتد لعدة أسابيع ويريدون تصحيح المسار !! من أجل أخذ نصيبهم وليس من أجل تصحيح مسار الحكومة وتقديم وإصلاح اعوجاجها . وإذا تم التوقيع علي اتفاقية أو اتفاقيات جوبا فان هذا سيترتب عليه بالضرورة تقليص حصة (قحت ) وهذا سيؤدي لصراعات جديدة داخلها حول تقسيم ما تبقي لها والمتوقع أن يحدث شد وجذب بين مكونات الجبهة الثورية والحركات المسلحة والتيارات حول إقتسام نصيبهم في كيكة السلطة ولكن كل هذه الأطراف ستتفق علي شئ واحد يجمع بينهم وهو المطالبة بتمديد عمر الفترة الانتقالية لأجل غير مسمي لأنهم جميعاً غير مهيئين لخوض الانتخابات العامة ويدركون سلفاً نتائجها ولذلك فإنهم يرفضونها وبعض المسئولين يهددون الآن قحت والثورية بأنهم سيجرون انتخابات مبكرة ويبدو جلياً إنهم غير جادين ويفعلون ذلك من قبيل ( دق القراف خلي الجمال تخاف ) وإجراء انتخابات عامة ليس بالأمر الهين اليسير ويحتاج لاستعدادات واحصاء ولجان فنية وميزانية كبيرة وكما قال الشيخ العبيد ود بدر ( موية الزير دايرة ليها تدبير) وفي الحلقة القادمة أقدم عرضاً تفصيلياً لتجربة انتخابات عام 1986م وما أفضت إليه من تكوين حكومة منتخبة وإعادة تشكيلها خمس مرات في ثلاثة أعوام ولو أعيدت ذات التجربة بحذافيرها وتفاصيلها فان الحكومة التي تفوز في مثل تلك الانتخابات لن تكمل ثلاث أعوام كما حدث في المرة الفائتة ولكنها ستسقط حتماً بإنقلاب عسكري بعد أشهر قليلة في ظل التحديات العويصة التي يمر بها الوطن الآن والمعارضة الشرسة التي ستجابهها من أطراف كثيرة ولا بد من إعطاء الأحزاب فترة كافية لتنظيم نفسها وترميم بنائها وإقامة تحالفات قوية … والحل العاجل غير الآجل الآن هو تشكيل حكومة كفاءات وخبرات وطنية قوية تقف علي مسافة واحدة من كل الأحزاب وتعمل وفق برنامج وطني واضح متفق عليه وتكون مسنودة بالشعب والقوات المسلحة الباسلة وكافة القوات النظامية . ولا بد من الخروج من حالة الإختناق والضيق الذي تعيش فيه البلاد الآن لماعون الوطن الكبير الذي يسع الجميع دون أن يكون محتكراً لقلة علي حساب الكثرة.
The post الإنتخابات العاجلة هل هي الحل أم المعضلة؟!.. بقلم صديق البادي appeared first on السودان اليوم.