السودان اليوم:
· لفت انتباهي منشور للزميلة هدى إبراهيم بالفيس بوك قالت فيه ” إعلامنا وصحافتنا المحليين لا يقومان بدورهما المنشود في معالجة الكثير من القضايا والظواهر (العنصرية نموذجاً).
· إستوقفني المنشور لأنه لامس وتراً حساساً، سيما عند ربطه بما حثها على نشره في هذا الوقت، أعني تعليقات بعض المشوهين التي ملأت الفيس بوك بالأمس لمجرد أن حارس مرمى المريخ (الأسمر) تجاسر وتزوج فتاة (بيضاء).
· من يقرأ تلك التعليقات الكريهة يظن أن الحارس عصام قد عقد قرانه على (خواجية) كاملة الدسم، علماً بأن ( الخواجية) نفسها من خلق المولى علا شأنه، ولا تتفوق على بناتنا في شيء.
· مقاييس جمال متخلفة تسيطر على عقول الكثيرين في بلدنا.
· بدءاً أتساءل: من قال لهؤلاء أن العروس البيضاء التي أعجبهم لونها لا تربطها صلة قرابة بالعريس مثلاً!!
· وهل صار تفتيح البشرة معضلة في سودان اليوم!!
· لا أقول ذلك قدحاً في جمال العروس بالطبع، لكنني أريد أن أسوق هؤلاء خطوة خطوة.
· فسواءً كانت بيضاء، سمراء، حمراء أو شقراء فقد اختارها الفتى وقبلت به كشريك حياة فما دخلكم أنتم!!
· لن نستطيع إنكار حقيقة أن النزعة العنصرية متأصلة لدى الكثيرين من أبناء وطننا.
· لكنها قطعاً ليست بالصفة الحميدة حتى نجاهر بها ونتحمس للتعليقات القبيحة كلما رأينا فتىً داكن البشرة بجوار شابة (فاتحة اللون).
· ميل القلب لم يحاسب عليه رب العباد ، فإن لم يعجبك سواد البشرة لن تجد من يمنعك، أو يضع لك قانوناً يحدد مقاييس الجمال، أو أن تمنح هذه القوانين السود حق الزواج من البيضاوات (لوناً).
· لكن على الأقل يفترض أن تخجل من نفسك وأنت تحمل مثل هذا الفهم المتخلف، وأن تحتفظ به في دواخلك ولا تُشرك فيه الآخرين لأنه ليس بالأمر المُشرف حتى نسعد بالكشف عنه.
· فالعنصرية المقيتة يُفترض أن تُناهض في الداخل، وأن نجاهد أنفسنا للتخلص من مثل هذه المفاهيم، لا أن نعلن جهلنا وتخلفنا على الملأ بهذه الطريقة المقززة.
· ثم أن التعليقات فيما لا يعنينا وفي الشئون الخاصة بالآخرين تجر علينا ذنوباً نحن في غنىً عنها.
· لا أدرى ما الذي سيكسبه الواحد منا حين ينكب على الكي بورد ليكتب فيما لا يعنيه و يسيء للآخرين دون ذنب جنوه!!
· كيف يستقيم عقائدياً أن نعيب شخصاً بلون من خلقة ربه!
· تابعت عدداً من التعليقات على منشور هدى، وعلى بوستات أخرى حول نفس الموضوع دعا أصحابها إلى سن قوانين تناهض العنصرية، فيما رأى أخرون أننا نعيش متآلفين وليس هناك داعِ لإثارة مثل هذه المواضيع في الإعلام.
· لا ضير في سن قوانين تناهض العنصرية، لكن ذلك لن يكفي بالطبع.
· والأهم من ذلك هو أن نردع بعضنا البعض عن الكثير من السلبيات التي يتصف بها مجتمعنا.
· حقيقة أن الإعلام لا يقوم بدوره في مناهضة الكثير من الظواهر السالبة أوضح من شمس الضحى، والسبب في رأيي هو أن إعلامنا نفسه بحاجة لمن يداويه.
· وليت الإعلام قصر فقط في مكافحة النزعة العنصرية، فالأنكى والأمر أنه مضى لأبعد من ذلك بمساهمته في توسيع انتشار هذه الظواهر السالبة والمفاهيم القبيحة.
· وإلا فما هو المعيار الذي إتبعته الكثير من قنواتنا الفضائية طوال السنوات الماضية في إختيار المذيعات؟!
· ألم يركز القائمون على أمر هذه القنوات على لون البشرة؟!
· كم شابة سمراء البشرة وظفتها هذه القنوات في السنوات الفائتة؟!
· لا أعتقد أن نسبة السمراوات في قناوتنا يمكن أن تتجاوز الـ 2% من مجموع من شغلتهن هذه القنوات في عهد أسوأ من حكموا السودان.
· لا أزعم أن هذه الظاهرة لم تكن موجودة في بلدنا قبل ذلك، لكن بدلاً من مساهمة الإعلام في مكافحتها رأيناه يُقنن لها كممارسة مشروعة ومقبولة مجتمعياً للدرجة التي حفزت معظم البنات السودانيات على الإفراط في كريمات (الفسخ والجلخ).
· عودوا بالذاكرة لملامح بعض المطربات الشابات لتتأكدوا من عدد من كن سمراوات قبل أن يواكبن التوجه العام السائد ويصبحن من ذوات البشرة البيضاء.
· إعلامنا المكتوب أيضاً قصر في مناهضة الكثير من الظواهر السالبة والمشاكل الإجتماعية التي نعانيها، هذه حقيقة لا ينكرها إلا مكابر.
· والحقيقة أننا لم نهنأ بإعلام القضية طوال السنوات الماضية.
· فقد ركز جل زملاء المهنة على شغل العلاقات العامة لأنه يفتح لهم أبواب الشهرة، توسيع الشعبية، وكسب الأموال وهو ما وجد فيه مسئولو نظام الكيزان ضالتهم ليجروا صحافتنا إلى طريق مظلم تماماً.
· الإعلاميون الذين يفترض أن يكونوا قادة الرأي العام وينيروا الدروب ظلوا يمارسون نقداً إنتقائياً بشكل مقزز.
· ما كان الواحد منهم ينتقد إلا من لديه معه مشاكل شخصية، أو لخدمة نافذين آخرين.
· وما كانت تهمهم مصلحة عامة ولا أمن ووعي مجتمعهم، وإلا لما تماهوا مع الطغاة والمفسدين واللصوص وخونة الأوطان.
· في الرياضة ظللنا نتابع إما تطبيلاً لإداري مغمور أراد أن يصنع لنفسه مجداً على حساب أنديتنا الكبيرة، بإصطفاء مجموعة من الكتاب ليشكلون له درعاً واقياً من النقد.
· أو نقرأ سباباً وشتائم في حق إداري آخر حتى توصد الأبواب أمامه، لمجرد أنه ينافس من أحاط نفسه بثلة من المطبلين.
· وفي الفن اقتصر الثناء وفتح الفرص على من تربطنا بهم علاقات شخصية.
· وفي الجانب الإجتماعي كان التركيز على القصص الغريبة التي تضاعف من إلهاء الناس وتزيد من توزيع الصحف.
· وفي السياسة كانت الغلبة لمن يعرفون من أين تؤكل الكتف وللعازفين على أوتار المداهنة والتلون وإيهام القراء بممارسة النقد في حين أنهم كانوا يخدمون أجندة الطغاة.
· ولو أنك انتقدت مثل هذا التوجه الإعلامي تكون مخطيء جداً، فهؤلاء زملاء مهنة يجب أن تطبطب عليهم وتغطي على (أفعالهم السوداء).
· ولا أدري كيف نمنح أنفسنا حق نقد الآخرين، بينما ننفر من ممارسة النقد الذاتي.
· لماذا نتجاهل أن للطبيب زميل مهنة، مثلما للنجار، زميل و للمهندس زميل وللمدير العام والوزير زملاء أيضاً.
· فإن غطى كل منا على أخطاء وممارسة زملائه القبيحة وأصر على حجبها عن الآخرين، فكيف سينصلح حالنا، ومن الذي سينبهنا لسلبياتنا وجوانب قصورنا!!
· كيف لنا أن نتوقع من إعلام كهذا أن يركز على الظواهر المجتمعية السالبة!!
· قبل أن يكتب الواحد منا تعليقاً ماسخاً يعكس مدى التشوهات التي نعانيها عليه أن يتذكر شعار ” العنصري المغرور كل البلد دارفور”.
· هذا السودان المتنوع في كل شيء ملكنا جميعاً.
· والغريب أنك تجد في البيت الواحد أكثر من سحنة ولون، وبالرغم من ذلك نسارع لمثل هذه التعليقات الكريهة.
· عن نفسي كمثال فقد نشأت كإبن أصغر في بيت فيه أربعة أشقاء وأربع شقيقات، تقسموا بين اللونين الداكن والفاتح.
· وكان بعض أقاربي يلقبونني بـ “ود النوبة”، ليس لسمار لوني فقط فقد شاركني فيه أشقاء وشقيقات آخرين بالبيت كما أسلفت، لكنهم أطلقوه عليّ لأنني بالإضافة للون كنت أخالط بعض أخوتنا النوبة من أبناء الحي وأقلد طريقتهم في الكلام.
· ورغم صغر سني آنذاك لم أشعر في يوم بأن أولئك الأقارب أطلقوا على اللقب إستصغاراً لأبناء النوبة، وإلا لنشأت إنساناً ناقصاً يشعر بإحتقار أقرب الأقربين له.
· لم أكن أتضايق من اللقب، بل على العكس سعدت به.
· وتذكروا أننا قد طربنا جميعاً وألهب حماسنا شعار (العنصري المغرور..) إبان الثورة العظيمة فما الذي يدعونا الآن للأتيان بفعل رفضناه من غيرنا!!
· ليس العنصرية وحدها ما ظل يؤرقنا.
· فثمة ظواهر سالبة أخرى عديدة لم تجد من يسلط عليها الضوء مع اللهث المستمر للكثير من إعلاميي البلد وراء تلميع ذواتهم والاستمتاع بالشهرة والصيت.
· خذوا مثلاً بعض فئات المجتمع المختلفة وكيفية تعاملنا معها، فستجدون أننا ربما نكون البلد الوحيد في إقليمنا الذي لا يزال يستخدم مصطلح (معاق) في وصف فئة تفوق أفرادها على الكثير من الأصحاء من ناحية التصالح مع النفس والنقاء والذكاء والتفاني في العمل.
· الكثير من البلدان التي بدأت بعدنا بعشرات السنين تجاوزت هذا المصطلح وصاروا يطلقون عبارة (ذوي الإحتياجات الخاصة) ويترجمونها ب( (Persons with special needs) في وصف هذه الفئة، وتحرم وسائل إعلامهم استخدام مفردة (معاق)، لأن المعاق حقيقة هو من يملك القدرة الكاملة على الحركة دون أن يوظفها في خدمة مجتمعه وبلده وإفادة البشرية.
· فأين نحن من مثل هذا الفهم الراقي ومن منح هذه الفئة حقوقها كاملة!!
· حتى داخل بيوتنا لا نتعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة بالطريقة المثلى.
· بعضنا ينتقص من حقوقهم، فيما ينظر إليهم البعض الآخر بعين الشفقة والعطف بدلاً من التعامل معهم كأشخاص يملكون القدرة على المساهمة الفاعلة في البناء والتعمير.
· خلاصة القول أن سواد اللون ليس منقصة أو عيباً، بل العيب كل العيب هو أن نجبن عن مواجهة أنفسنا ونفشل في التغلب على جوانب قصورنا وسلبياتنا.
· وقبل أن يسود أي منا الصفحات بمثل هذه التعليقات البغيضة عليه أن يتذكر أننا جميعاً بسمار وسواد وبياض ألواننا نعاني من نظرة الآخرين لنا بمجرد أن نخرج من هذا السودان.
· ففي كافة بلدان العالم، حتى العربية المتخلفة منها نتشارك في الوصف (خال) حتى وإن لم يقولونها لك في وجهك.
· وهل تعلمون أن بعض العرب عندما يقابل الواحد منهم فتاة سودانية بيضاء البشرة يكون تعليقه ” اليوم أو بالأمس شاهدت سودانية كأنها ما سودانية”.
· يعني كلنا في الهوا سوا وكفى.
كمال الهِدي
The post يعرس بنت بيضاء ليه!!.. بقلم كمال الهدى appeared first on السودان اليوم.