غير مصنف --

حديث حمدوك في الميزان.. بقلم كمال الهِدي

السودان اليوم:
. بعد إنقضاء ربع زمن حوار الأمس مع الدكتور حمدوك قلت لمن حولي ” الناس لو ركزت مع الزول ده حا يلقوا الكلام في وادي وواقع الأمور في وادٍ آخر، لكننا صباح الغد سنطالع إشادات فقط.
. وجاءني الرد بأن المتابعين سيركزون بالتأكيد وسينتبهون لأي سلبية في الحوار.
. وبعد نهاية اللقاء تجولت في عدد من البوستات والرسائل فوجدت ما توقعته تماماً من إشادات وتجاهل للنقاط السلبية والتناقضات.
. توقعت ذلك لأن هذا الشعب قد تذوق العلقم خلال ثلاثين عاماً، وهو تواق للفرح، وهذا حق طبيعي.
. لكن لو أردنا أن نسرح مع إنطباعات شخصية ومشاعر تجاه الشخصية فالدكتور حمدوك عشرة على عشرة من ناحية الهندام والهدوء والحضور الجيد وإحترام الآخر.

. وإن قارناه بالبشير وطه وبكري ونافع فنحن نظلمه قبل أن نظلم أنفسنا ووطننا.

. فلا يمكنك أصلاً أن تقارن بشراً بكائنات غريبة.

. ثم أن الدكتور موظف أممي عاش جل حياته متجولاً بين بلدان العالم، فكيف نتوقع مثلاً أن يطل علينا بزرار مفتوح أو بذة أكبر منه، أو أن ينتهر مضيفه أو يسيء لشعبه!!

. الرجل ذكي ويدرك أنه وصل للمنصب عبر ثورة شباب جميلين ورائعين، بينما كان البشير ورهطه يدرون أنهم يخاطبون غوغاء وقوماً من التبع الذين تحارب معهم الغزلان.

. فلنحاول أن نكون موضوعيين في تناولنا لشخصية الدكتور ( ما له وما عليه) بعيداً عن العواطف ما أستطعنا لذلك سبيلاً.

. فقد أضعنا على هذا الوطن وأجياله القادمة سنين عددا ونحن نذعن لعواطفنا.

. فلا نريد إضاعة المزيد في اللهث وراء السراب، أو البصم بالعشرة على كلام شفاهي لهذا المسئول أو ذاك لمجرد أن هندامه جميل وحضوره طاغٍ ولغته تطربنا وأسلوبه يجذبنا.

. بلدنا يمر بظروف إستثنائية تتطلب وقوفاً جاداً أمام كل شيء حتى ولو كان المسئول المعني أباً أو أماً لأحدنا.

. بالرغم من حرص الأستاذ شوقي على تقديم أسئلة تغطي كل ما يدور بالأذهان، لكنه أيضاً لم (يستولد) أسئلة من وحي بعض إجابات دكتور حمدوك.

. اللقاءات التي تعدها مكاتب المسئولين عادة ما تسعى لجذب الحضور وإخراج المسئول في ثوب قشيب، وهذا أمر جيد ومطلوب.

. لكن في حالتنا وظروفنا لابد من (الفلفلة) عندما تتاح لأحدنا فرصة محاورة رئيس وزراء حكومة الثورة.

. فمثلاً ذكر الدكتور في بداية اللقاء بالحرف ” في سودان الثورة مافي زول خائف من العدالة”!

. وأستحلفكم بالله، هل فيكم من اقتنع بهذه الإجابة؟

. نعلم جميعاً أن هناك من تضرب قلوبهم بمعدل مليون خفقة في الثانية عند ذكر عبارة (محاسبة الجناة) في مجزرة فض الإعتصام.

. فكيف يقول الدكتور ألا أحد يهاب العدالة وهو أعلم منا بالراجفين من حوله!

. أما تأكيده على ضرورة المحاسبة فطيب وجميل، فهي ضرورة حتمية وأبجدية، وهو يدرك أن الشارع لن يقبل بغير ذلك.

. محاولة الدكتور لنسب جزء من التأخير في عمل لجنة التحقيق لجائحة كورونا لم يرق لي.

. فعمر الجائحة قصير بالمقارنة مع عمر اللجنة التي تحقق في جريمة كان يمكن البت فيها خلال شهرين علي الأكثر.

. فهي جريمة مشهودة ومحضورة.

. وكلام الأستاذ أديب عن إحتمالية فبركة الفيديوهات مثير للشفقة.

. فقد تم التسجيل والبث للكثير من المشاهد المروعة في لحظتها، ولم يكن هناك متسع من الوقت للفبركة.

. كلام دكتور حمدوك عن عدم تدخلهم في عمل اللجنة ممتاز ويتلاءم مع التغير المنشود.

. لكن من حقهم كحكومة ثورة أن يضعوا إطاراً زمنياً لإكتمال التحقيق، فلا يعقل أن يمدد أديب الفترة كلما اقتربت ساعة إعلان النتائج دون أن تسائله حكومة الثورة.

. متفقون تماماً حول حديث حمدوك بأنه لا يمكن أن يتوقع شخص عملي حلحلة المشاكل خلال تسعة أشهر لأن التركة ثقيلة.

. لكن ماذا عن الجزئية الثانية من كلامه حول هذه النقطة!

. فقد قال ” طالما أننا على الطريق الصحيح…”

. وهذه نقطة الخلاف الرئيسة.

. هل يسيرون على الطريق الصحيح حقيقة!

. لو تأكدنا من ذلك سنصبر لسنوات إن أرادوا.

. لكن الواقع يقول أنهم أكملوا عاماً كاملاً ولا تزال غالبية وسائل الإعلام في قبضة المجرمين والمفسدين، لدرجة أنه عندما يتم القبض على كاتب مثل الطيب مصطفى يصبح ذلك خبراً.

. مع أن الخبر هو أن يكون هؤلاء طلقاء حتى اليوم.

. الخبر هو أن تستمر جرائد أكد وزير الإعلام بعضمة لسانه أن معظمها كانت تُمول من الأمن، في الصدور حتى هذه اللحظة.

. مضى عام على حكومة الثورة وما زال الكيزان يحيطون بِجُل المسئولين في الوزارات والمؤسسات، فعن أي طريق صحيح حدثنا دكتور حمدوك؟!

. ليس كافياً القول أنهم يوم أن يصلوا لحقيقة فشلهم فسوف يتنحون ويفسحون المجال لغيرهم، فحتى الحكام الطغاة، دع عنك حمدوك يرددون مثل هذا الحديث.

. فالسؤال هنا عن معايير الفشل في نظرهم وكيف سيعرفون أن هذا الشعب الثائر مع أو ضد فكرة تغيير بعض الوزراء، وهم لم يشكلوا برلماناً يحاسبهم!!

. لو احتكمنا لما يتم تداوله هنا وهناك فقد فشل الكثير من وزراء حكومتك يا دكتور في الإرتقاء لمستوى هذه الثورة.

. تريد أن تعزز الإستثمار وتفتح أبواباً لشراكات كبيرة.. فهل تعلم أن وزير التجارة والصناعة زاره مستثمر هندي يقيم في مسقط بمكتبه بالخرطوم ليستفسر عن جملة أمور فأول ما خرج به الضيف أن الوزير عاجز عن التواصل معه بلغة إنجليزية مفهومة!!

. هل تعلم يا دكتور أن مديرة مكتب الوزير ( الموظفة السابقة بشركة دال) ظلت تنقذه كلما عجز عن فهم أَو الرد على ضيفه الهندي!

. خلاصة الأمر أن المستثمر لم يجد عند الوزير ما يحفزه على البدء في المشروع الذي كان يحلم به لأنه لم يقف على برامج وخطط إستثمارية واضحة للوزارة، وحتى عندما طلب تزويده بكتيب حول مُوجهات الإستثمار لم يجده عند الوزير.

. هذا نموذج واحد لفشل لازم غالبية وزراء حكومتكم فلماذا تصرون على الإبقاء عليهم؟!

. أبدى دكتور حمدوك خلال اللقاء نوايا طيبة ورغبة في توظيف الشباب، لكن الحقيقة غير ذلك.

. فحتى داخل مكتبكم تمت التعيينات لبعض الوظائف وفقاً لعلاقات شخصية ولم نسمع عن وظيفة أُعلن عنها لكي يتنافس عليها هؤلاء الشباب.

. وهذا الأمر إنسحب على كافة الوظائف بمواقع أخرى، فهل ستوظفون شباب الثورة بطيب الكلام أم ماذا!!

. حتى الوظائف القيادية جلبتم لها أشخاص من الخارج قبل أن تبحثوا عن مرشحين مناسبين ممن عاشوا هذه الثورة بكل تفاصيلها.

. أعجبتني فكرة الوصفة السودانية الخالصة لمعالجة المشكلة الإقتصادية التي لا ترفض وصفات البنك الدولي كلياً ولا تقبلها برمتها، لكنني لن أطيل في هذه الجزئية لعدم التخصص ، وأترك الأمر لخبراء الإقتصاد ليفيدوننا بما إذا كانت هناك وصفة سودانية خالصة ضمن ما يقوم به دكتور البدوي.

. قال حمدوك أن السودان ظل يصدر مواد خام وأن ذلك خطأ ما كان له أن يستمر، مؤكداً أنهم عملوا على وقف ذلك.

. وهنا لابد أن أسأل: ألم يصرح وزير الثروة الحيوانية قبل أيام بتصدير 380 ألف رأس من الماشية الحية للسعودية!!

. فكيف يتسق ذلك مع ما ذكره رئيس الوزراء بالأمس!!

. صحيح أن حمدوك أوضح أن الوقف الكامل لتصدير المواد الخام يتطلب وقتاً، لكن بالتأكيد ليس في حالة الخراف والأبقار، فهذه يمكن أن يوقف تصديرها في الحال.

. والمسالخ موجودة لذبحها وتصديرها كلحوم.

. الكلام عن تأجيل المجلس التشريعي بإفتراض أن السلام سوف يتحقق سريعاً، لم يةيقنعني.

. فقد أكدتم في أحاديثكم الأولى أن السلام ضرورة وأبديتم ثقة في تحقيقه، لكنكم قلتم آنذاك أيضاً أنها مهمة عسيرة ستستغرق وقتاً.

. فلماذا لم تدفعوا بإتجاه تشكيل المجلس التشريعي، طالما أنك تقر بأن عملكم في المجلسين كبديل للتشريعي وضع غير سليم!!

. دعك مما مضى، فما زلنا (فيها)، لِم لا تشكلون هذا المجلس اليوم بعد إقراركم بأن السلام لم يتحقق بالسرعة اللازمة!!

. أنت تقول أن المسارات العديدة أعاقت تحقيق السلام.

. وحميدتي يقول أن الفوضى تسود وأنهم اقترحوا كذا وكذا، فمن المسئول عن التنفيذ إذاً وتغيير هذا الواقع الذي لا ترضون عنه!!

. ما أتمناه، بل وأتوقعه وأفترضه هو أن تقرنوا هذا الكلام الطيب بعمل ميداني بالنظر لوضعنا غير الطبيعي.

. ودونكم الرئيس التنزاني جون ماغوفولي الذي أطلق عليه شعبه لقب البلدوزر.

. فبالرغم من أنه لم يأت بثورة عظيمة مثلكم إلا أنه كنس الفساد والمفسدين سريعاً ورشد الصرف الحكومى لأقصى درجة وظل يقود أفراد شعبه في حملات النظافة بنفسه.

. فأين أنتم كقادة حكومة ثورة ترددون كل يوم أنها عظيمة من مثل هذا السلوك!!

. بعد أن نراكم أمام الشعب في مختلف حملات البناء ونحقق جزء مما نتطلع له.. بعد ذلك يمكننا أن نمضي وقتاً أطول في التركيز على أقوالكم.

. التأكيد بأن البعثة الأممية لن تضم أي قوات عسكرية أو شرطية مُبهج ويسد باباً أراد أن ينفذ منه بعض المتربصين.

. وهو أمر سيكون التحقق منه متاحاً بعد فترة قصيرة كما ذكر دكتور حمدوك.

. عبارة ( إما ننجح أو ننجح) رائعة جداً وتعكس عزيمة وتصميماً كبيرين.

. لكن لابد أن تصاحبها أعمال واضحة أولها إستبدال الوزراء المتقاعسين والعاجزين عن أداء ما يليهم.

. فكرة أنه ستأتي اللحظة المناسبة للتقييم ليست دقيقة وتناقض تصريحاً سابقاً لكم.

. فقد سبق أن صرحتم يا دكتور بأنكم سوف تقيمون أداء الوزراء بعد المائة يوم الأولى من عمر حكومتكم.

. وها نحن نكمل عاماً كاملاً دون أن يتحقف ذلك.

. وإن لم تكن ذكرى أبشع مجزرة وقتاً مناسباً لمثل هذه المراجعة فمتى ستحين هذه اللحظة الملائمة!!

. ربط مراجعة أداء وزراء ليسوا في قامة الثورة بإنجاز ملف السلام تبدو كمحاولة للهروب للأمام يا دكتور.

. بقي أن أقول أنني حاولت أن أحتفظ بهذه الملاحظات لنفسي لأن الناس يريدون أن يفرحوا حقيقة، لكنني لم أستطع والله، فما دمنا قد اخترنا هذا الطريق علينا أن نقول ما نراه في أي لحظة حتى وإن لم يعجب ذلك الكثيرون.

. فعذراً لتخييب آمال بعضكم لكنها مسئولية أمام أنفسنا وأمام الخالق عز وجل.

The post حديث حمدوك في الميزان.. بقلم كمال الهِدي appeared first on السودان اليوم.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى