التصعيد والتوترات العسكرية الأخيرة على الشريط الحدودي بين السودان وإثيوبيا ليست وليدة الأشهر أو السنوات الأخيرة فقط بل تمتد جذورها إلى 1958حين ظهر نشاط مايسمى بالشفتة الاثيوبية بأسلحة تقليدية بدائية الصنع.
وكان للنخب السياسية السودانية دور كبير في ترسيخ ودعم الصراع الأخير، بغض الطرف عن الخروقات الأثيوبية، بناءا على تلاقي المصالح بينها و الحكومة الاثيوبية القائمة حينئذ ويكفى مثالا لذلك الاتفاق السري الشهير 1996، الذي تم عقب تأسيس ولاية القضارف بين وإليها المرحوم الشريف بدر وحكومة الامهرا والتقراى والذي هدف لوقف تسلل المعارضة السودانية مقابل إطلاق يد اثيوبيا للزراعة داخل الأراضي السودانية شرق العطبراوي المتاخمة لإقليم الامهرا، المعروفة باسم الفشقة الصغرى.
وتقود الصراع الخروقات والتوغل الحالي عناصر مسلحة من قومية الامهرا.
وتتراوح المساحة التي جرى استغلالها من قبل الاثيوبيين لعمق يتراوح ابين 15 الى 25 كيلو مترا على طول الفشقة الصغرى والكبرى وبمساحة تتجاوز 1000000 (واحد مليون) فدانا كلها شرق نهر عطبرة وتأثرت بذلك كل القرى شرق النهر ونزح مواطنوها بالقرى غرب النهر كمهجرين حسب ما يتضح بالخارطة المرفقة اما النازحين حاليا فهم من منطقة بركة نورين ومشروع الفرسان المتأثرة بالاعتداء الأخير وهى من قرى غرب النهر.
وتمتاز اراضى الفشقة الصغرى والكبرى بانها زراعية طينية منبسطة و هي من اخصب اراضى القضارف وأكثرها معدلا للامطار وكثافة فى إنتاج الذرة والسمسم بجانب عدد كبير من الجنائن البستانية جرى الاستيلاء على ما يزيد عن 150 مشروعا منذ السبعينات وقام الاثيوبيون بتركيب طلمبات على نهرعطبرة وأنشاء قرى زراعية المعروفة باسم (الكنابى) وتشييد المخازن بالمواد الثابتة واستخدام الآلات الزراعية بل وصيانتها فى مدن العمق السودانى (دوكة والقضارف).
ويشير المراقبون بان الأقاليم الأثيوبية الثلاثة المحاددة للسودان- التقراى شمالا والامهرا وسط وبنى شنقول قمز جنوبا- لا تخضع خضوعا تاما للقبضة القوية للسلطات المدنية ويحركها دائما المكون العسكري شبه المستقل فى تلك الأقاليم ويكفي أن مليشيات الامهرا وأكثرها من الجنود المسرحين من قوات الدرك الاثيوبى بعد فرار الرئيس الاسبق منقستو هايل ماريام هي التي تقود المناوشات وتنفذ احتلال واستزراع الأراضي السودانية بمساحة تجاوزت المليون فدان بالفشقتين الصغرى والكبرى وكل ذلك حسب المتابعة بايعاز ودعم خفي من مخابرات بعض الجهات الدولية ذات المصلحة في زعزعة المواقف على الجانبين السودانى والاثيويى ( راجع الخريطة المرفقة ) .
الا انه لابد من الاشارة الى ان الجانب الاثيوبى مهد ومنذ عدة سنوات طريقا زراعياً من داخل إثيوبيا من شمال بلدة المتمة الأثيوبية مارا بالمناطق الزراعية السودانية المحتلة ليعود ويدخل الحدود الأثيوبية جنوب بلدة عبدالرافع الأثيوبية وذلك لتسهيل حركة مزارعيهم ونقل المحاصيل إلى داخل العمق الإثيوبي .
بالمقابل فان حالة الاستنفار الأمني السياسي السوداني ظلت متفاوتة من وقت لآخر حسب تطور الأحداث بينما ظل المزارعون السودانيون فى حالة تصعيد دائمة بالشكاوى والمذكرات منذ عدة سنوات حيث تأثر أغلبهم وهم خليط من كبار وصغار المزارعين اقتصاديا وهجروا مشاريعهم لأكثر من 30 عاما لعدم الاستقرار وتقاصر الدعم الرسمى سياسيا وعسكرياً.
وظل الأمر سجالا بين اعتداء يعقبه اعتذار و لجان عسكرية و سياسية تصل لاتفاق في المركز بينما ما تقوم به المليشيات عبر الارض امر آخر الا ان الثايت ايضا انه لا يمكن ان تجري مثل هذه الاحداث والتحركات العسكرية للمليشيات وفي منطقة تعتيرها اثيوبيا “كعب اخيلي” لامنها القومي دون معرفة الحكومة المركزية على اقل تقدير ان لم يكن مباركتها المبطنة. لكن الملاحظ ايضا ان هذه التوترات تتصاعد متزامنة مع احداث و تطورات فوق-اقليمية قد لا تفوت على فطنة القيادات في البلدين.
تقرير ( وكالة السودان للانباء)