سمعنا في زمانٍ مضى عن الذين كانوا يُصلّون الفريضة مع الريّس بلا وضوء ، وشاهدنا بأعيننا من سجد في أرض المطار بعد عودة الريّس سالماً من تلك (الزّرة) الجنوب أفريقية وقد وعدنا الساجد نكايةً فينا بالسجود مرات أخرى إن استدعى الأمر ، رُبما منهم من ادّعى الصيام ليُجالس الريس في يوم إثنين أو خميس نظام التبرُّك وكده ، وما أكثر من تملّقوه وداسوا على كرامتهم في سبيل الاقتراب منه والاستمتاع بمُجالسته ونيل عطاياه.
منهم من وصل ومنهم من ضلّ الطريق رغماً عن التنازُلاتِ التي قدموها ، والنفس البشرية مجبولة على حُب المال والجاه وبعضُنا لا يُبالي في سبيل الحُصول عليهما ويسترّخص في سبيلهما كُل شئ حتى كرامته ، من منّا لا يتوق إلى الحياة الرغدة والعيشة الهنية وللوظيفة ومُخصصاتها ومزاياها الشهية وبلاشك من نال رضاء الريّس نالها عندما كان مُطاعاً يأمُر وينهي وبيده القلم ، ولكن ما أدهشنا حقاً أن يأت من يُكسِّر (للمخلوع) ثلجاً تعجز مصانعنا مُجتمعه عن انتاجه.
(إني أشهد الله وقد كنت عميداً للمعهد فترة دراسة الرئيس السابق عمر البشير ، أنّ هذا الرجل تواضع وهو في عز سلطانه ، وجاء إلى قاعة الدراسة وجلس بين ستة عشر طالبا ، ممسكاً بقلمه وكراسته ليدرس خمسة عشرة مقرراً تمتد لثلاثة فصول دراسية ويلتزم التزاما صارما بكل لوائح الجامعة الأكاديمية ، ويجلس للامتحان الموضوع لكل طلاب دفعته ، وقد نجح فيها جميعاً بالمستوى المطلوب للتأهُل للدرجة العلمية ، قال في أول محاضرة يحضرها ( أنا جيتكم لأنه درب الشريعة راح لينا ، وقلت أشوف عندكم لينا شنو ).
إن شاء الله يكون لقى عندكم للشريعة درب أم خرج منكم (فقط) بالشهادة الورقية المُزيّنة بتوقيعاتِكم ..؟
الظاهر للجميع أنّ الدرِب فعلاً راح عليهم وهل يتوه بالله عليكم من سلك الدرب الصحيح..؟
سُبحان الله يا بروف يعني الريّس كان بخلينا في عز الزنقة ديك أزمات هنا وحروب هناك ويشيل دفاتر المحاضرات والأقلام عشان يجلس أمامكم صافي الذهن وبتواضع لاستيعاب مُحاضرات الماجستير القيّمة لفائدة أهل السودان ..؟ ، أتحسب هذا تواضع منه يا بروف أم هو نوع (نادر) من أنواع اللا مُبالاة ابتلانا الله بها (إن) ثبت حقاً مداومته على الحضور ، ثم ماذا أفادتنا شهادته وتلك الشهادات الرفيعة التي حملها بعض من كانوا يُشاركونه الحُكم والتي حصلوا عليها من أكبر الجامعات العالمية ، لقد توارت تلك الشهادات وانزوى أصحابها في ركُنٍ قصي بعد أن طغى الفساد وساوى بين المتعلِّم والجاهل منهم .
ما من شئ أضرّ بهذه البلاد وأقعدها سوى تأليهنا للأشخاص وفرّعنتا لهم حتى صدقوا ، وظنّوا كما ظن فرعون موسى من قبل بأنّ الحياة لن تستقيم إن لم يكونوا هُم سادتها.
لا حول ولا قوة إلّا بالله.
صحيفة الجريدة