السودان اليوم:
(ان الوعي الاجتماعي يعبر عنه دوما شخصيات تستحوذ على ثقة الجماهير، والتاريخ صنعه نشاط الشخصيات الذين هم القادة، والقائد في التاريخ هو الذي يجسد الحركة الاجتماعية والظروف الموضوعية الناضجة ويسبق معاصريه إلى لمحها وادراكها وفهمها)
(البروف القدال)
الثورات عبر التاريخ تنفجر نتيجة الوعي بالظلم،وتشكل حالة هذا الوعي في كل قطاعات المجتمع، ولأن تناقضات المجتمع قد تقود إلى وأد الثورة، أو الحرب الأهلية وانهيار الدولة هنا يأتي دور القائد الكارزمي والمتجرد الذي يوجه طاقات المجتمع نحو قيم وشعارات الثورة، وأهمية القيادة في الثورة انها تلهم الوعي الاجتماعي وتخلق الظروف التي تشد المجتمع نحو الثورة والتغيير، وبناء الانساق الفكرية والمعرفية والثقافية للثورة.
لذلك فإن فقهاء الثورات يرون ان الأنظمة الاستبدادية التي استقرت في الحكم لآماد طويلة تضع الدولة والمجتمعات في حافة الهاوية، وانجع آلية لإنقاذ الدولة والمجتمع من التفكك والتشظي بروز حالة الوعي بالتغيير من رحم النظام الاستبدادي وقيادته لعملية التغيير حتى يستوي على جودي الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، وهذه المبادرة الوطنية الجسورة في الثورة والإصلاح ستضمن استمرار النظام القديم في معادلة النظام الديمقراطي الجديد، وهكذا كان صراع الإرادات محتدما داخل الحزب المؤتمر الوطني بين تيار التغيير والإصلاح الكثيف، وتيار مقاومة التغيير والذي كان يركز على القوة الصلبة في حسم المعركة الفكرية والسياسية كما تعلمون فقد سبقت إرادة المجتمع السوداني في الثورة والتغيير، إرادة النظام الحاكم والقوى السياسية الوطنية، وأثبتت الثورة السودانية أن المؤسسة العسكرية السودانية التي كان يراهن عليها تيار مقاومة التغيير داخل النظام السابق هي الأكثر وعيا وادراكا بضرورة التغيير والاصلاح فقد أثبتت تجارب الأنظمة العسكرية الثلاثة في السودان انها كانت خصما على مهنية وقومية واحترافية المؤسسة العسكرية الوطنية، فالنظام الديمقراطي الذي يكون فيه وزير الدفاع مدني، والخبراء والمستشارين مدنيين، وقرار الحرب والسلام سياسيا هو النظام الذي يضمن نهضة وريادة المؤسسة العسكرية الوطنية.
ان تشكل إرادة الوعي بالثورة والتغيير وسط كل قطاعات المجتمع السوداني والقوى السياسية الوطنية (المدنية والعسكرية)، وتيار الإصلاح والتغيير الكثيف داخل النظام القديم ، والمؤسسة العسكرية السودانية ينم عن قناعة راسخة وسط هذا الاجتماع والاحتشاد الوطني بضرورة إنهاء دورات الحكم الاستبدادية التاريخية، والاحتشاد حول المشروع الوطني الديمقراطي، والعبقرية تكمن في توظيف كل هذه الطاقات الثورية الوطنية لبناء وترسيخ المشروع الوطني الديمقراطي المستدام.
ان بناء المشروع الوطني الديمقراطي المستدام يتطلب العودة لمنصة التأسيس الوطني عند فجر الاستقلال عام 1956 وعند تقييم تجارب الحكم الوطني سواء كانت اتوقراطية عسكرية تنتهي بانتفاضة شعبية، أو مراحل انتقالية تنافرية تدار بعقلية الانا في مقابل الآخر، ثم تفضي إلى ديمقراطية تشاكسية،وفي كل هذه التجارب كانت الأحزاب السياسية تعلي الأيديولوجيا الحزبية على قضايا البناء الوطني فكانت الثمرة النهائية الدولة الوطنية الحالية المتفاقمة النمو، وبالمقابل فإن الثمرة الإيجابية لهذه التجارب حالة الوعي الجمعي بضرورة العودة لمنصة التأسيس الوطنية الأولى وأولوياتها الاستراتيجية ترسيخ قضايا البناء الوطني (اي النظام السياسي الأنسب لإدارة دولة مثل السودان غاية في التنوع القبلي والاثني والثقافي والسياسي والاستثمار المتوازن لمواردنا لتصب هذه العمليات في بناء دولة وأمة سودانية هي نسيج وحدها في التاريخ الانساني).
إن البدايات التأسيسية عبر التاريخ تتطلب قيادات فذة واستثنائية، وقد تطور مفهوم القيادة المعاصرة تحت مسمى القيادة الجماعية واعني بذلك هنا الأحزاب السياسية الوطنية من أقصى اليمين لأقصى اليسار، وجماعات الكفاح المسلح، فهل تدرك هذه الجماعات الوطنية تحديات القضايا التأسيسية وتتحرر من الأيديولوجيا الحزبية والنزعات الجهوية والقبلية والاجندة الذاتية، وتتشكل في كتلة تاريخية توافقية حرجة لإنجاز مهام الانتقال والتحولات نحو مشروع الديمقراطية التوافقية المستدامة، أم تخلد إلى الأرض في لحظة تاريخية وطنية تتساوى فيها حالة وحدة وتماسك وانتهاض السودان، أو وقوعه في جب التفكك والانهيار.
The post الثورة السودانية والحاجة إلى قيادة جديدة.. بقلم عثمان جلال appeared first on السودان اليوم.