دون أية مقدمات أو تبرير وحيثيات، و(فذلكة)، أعلن على الملأ، عن سعادتي اللّا محدودة، بإعادة السعودية (6) شحنات من الضأن، في جوفها أكثر من(58) ألف رأس بسبب نقص نسبة المناعة، المتفق عليها بين السودان والسعودية.
أجد في هذا اليوم وبركته و”جمعته الجامعة وكلمتها السامعة”، مناسبة أدعو فيها الله الكريم، رب العرش المنّان والإنسان والحيوان، أن ينعم على البلاد والعباد، بالمزيد من عمليات إعادة صادر الضأن، حتى تتحطّم عصابات المصدرين ومافيا “الوراقيين” والسمسارين والمنتفعين ومن شايعهم عن بكرة أطماعهم وأوراقهم المضروبة.
وأسأل الله أن ينعم علينا بشريحة جديدة من المصدّرين، تضع مصلحة بلدها جنباً إلى جنب مع مصالحها ورغباتها في الربح والثراء الحلال، وأن ينعم الله على البلاد والعباد، بحكومة قوية وجادة في الاستفادة من موارد الدولة وتعميم خيرها (المتدفق) على كل مواطنيها، لا أن تحتكرها فئة بعينها تزداد غنىً فاحشاً يوماً بعد يوم.
ويمتد التضرع إلى الله في هذا اليوم المبارك، لنسأله هلاك ودمار أخطبوط ومنظومة الفساد في الوزارات والبنوك والجمارك والضرائب، أينما كانت مناصبهم ومواقعهم.
أكرروأكرر، أنا سعيد بإعادة شحنات الصادر، ولك عزيزي القارئ أن تحكم عليّ بقلّة حظي من الحكمة، أو أن تدمغني بالحقد أو مفارقة الموضوعية أو (عدم الموضوع).
إن شئت عزيزي القاريء، ضع موقفي في خانة الخيانة الوطنية العظمى!
كل ما في الأمر، إنّنا وصلنا مرحلة متأخرة من اليأس على حال بلادنا التي أصبحت بلا وجيع وأمست بلا رقيب وباتت بلا حسيب.
كيف لبلادنا وهى في قمة ضعفها ووهنها وهوانها على بعض مواطنيها من الأشرار، كيف لها أن تصدّر (829) ألف رأس من الضأن إلى السعودية وحدها، في غضون 4 أشهر، بمتوسط 7 آلاف رأس يومياً، تعادل تقريباً 200 طن، وسعر الطن لا يقل عن 3300 دولار، أي ما يساوي (660000) دولار يومياً؟
كيف لبلادنا بعد كل هذه الموارد، أن تواجه شحاً في العملات الصعبة؟
ولا تنس عزيزي القاريء قبل أن تدمغني بمفارقة الموضوعية، لا تنس أن هناك سلعاً أخرى تصدّر وفي مقدمتها الذهب، وما أدرك ما الذهب!
بحسابات بسيطة، فإن خزينة بنك السودان يفترض أن تكون دخلتها 100 مليون دولار، أودعها 72 من مصدري الماشية الذين شاركوا في عمليات صادر الضأن الأخيرة.
هذا المبلغ، ربما يكون كافياً لسد الفجوة في شح العملات الحرّة، إن هي تدفّقت بذات الوتيرة، ما يساعد الحكومة في الخروج من عجزها المزمن عن استيراد السلع الضرورية، ولكن.. لا حياة لمن تنادي!
طرحت أمس الخميس سؤلاً لوزير (الثورة) والثروة الحيوانية المكلّف، د. عادل فرح خلال مؤتمره الصحفي، عن المبلغ الذي وصل إلى خزينة بنك السودان جرّاء عملية صادر الضأن مثار الضجة، لكن سؤالي لم يجد جواباً شافياً لأن الوزير اعتذر بلطف، عن تقديم أية أرقام “لأن ذلك لا يقع في دائرة اختصاصه بل من مهام بنك السودان”.
ولأن سؤالي كان ملحاحاً، وجد من يجيب عليه، إذ تبرع عضو لجنة إزالة معوقات الصادر، عادل محمد خير، مشكوراً بالإجابة!
رسم عادل صورة سوداء جداً لما يجري في كواليس صادر الضأن من فساد و”همبتة” وتعدٍ على مقدرات البلاد، وقدّر أن 30 في المئة فقط من عائدات الصادر، هي التي تدخل إلى الخزينة العامة. لكن مسؤولاً آخراً همس في أذني بعد المؤتمر الصحفي، ليشير إليّ بأن حصيلة عائدات الصادر، يتم تهريبها مباشرة إلى دبي، لتضاف إلى حسابات مُتخمة بمال السودانيين، ولا يهم أصحابها بعد ذلك أن يموت الناس جوعاً أو مرضاً.
بعد المؤتمر الصحفي، أيقنت أن المواطن السوداني لا ناقة له ولا خروف ولا جرام ذهب، من “وهمة” الصادرات السودانية، وأن دولتنا بحكومتها ومؤسساتها وقواتها النظامية وإعلامها و”كل هبوبها” الظاهرة والمستترة، غير قادرة على وقف العبث في مجال الصادر.
لذا، رأيت عزيزي القاريء، أن من الخير لنا أجمعين، أن يُعاد إلينا الضأن وغيره من صادراتنا، لنكون كلنا في مُركب واحدٍ مع المُصدريين والجوكية والموظفين الفاسدين والوراقين وشياطين الإنس من مخارج السلع السودانية العزيزة.
اللافت، أنّ (شُلة) المصدرين، حين تُفتح لهم أبواب الإعلام، تجدهم يصرخون من تعسف إجراءات الدولة ودورتها المستندية، وينافقون بعناوين من شاكلة: (دور القطاع الخاص في التنمية وحلحة المشكلات الاقتصادية)!
يتتهزون الفرص للمطالبة بمزيد من التسهيلات والإعفاءات مقابل وعدهم بتوفير العملات الحرّة للدولة، ومتى حانت ساعة الحساب، والعودة بحصائل الصادر، تكون النتيجة صفراً كبيراً على شمال حسرتنا الممتدة.
للأسف الشديد، ما يحدث من تلاعب بعمليات الصادر، لا يتم في الماشية وحدها، بل في كل السلع، ولا أحد يسألني عن الدليل، لأننا جميعاً نعيش مترتبات “فلس الدولة” وتصاعد الدولار الذي بهدل الجنيه وجعله أثراً بعد عين.
أخيراً..
ماذا لو اكتشفنا أن الذهب السوداني الذي يصدر إلى الخليج (ببلاش)، يصيب الإنسان بحمي الوادي المتصدع جداً؟
The post عبد الحميد عوض: عجبني للضأن! appeared first on باج نيوز.