الأحداث التي وقعت مؤخراً بمحلية كتم بولاية شمال دارفور، دفعت المجلس السيادي لزيارة وتفقد المنطقة والوقوف على مجريا ت الأوضاع هناك، خاصة وأن الجرح الذي أصاب المحلية بعد استشهاد عدد من أبنائها في حادثة الهجوم على الاعتصام الذي وقع بفتابرنو كجزء من المحلية يحمل في طياته الكثير من الإشارات والعلامات المفخخة التي تستهدف عملية السلام بدارفور ككل، وليس محلية كتم المدينة الوادعة. وتأمل الحكومة وهي ترسل هذا الوفد الذي تضمن أسماء كبيرة من السيادي أن تعمل على تقارب وجهات النظر بل وتقف على بعض القضايا تطبيبًا ومعالجةً، بالإضافة إلى الوقوف على قضايا مختلفة ذات صلة بقضية فتابرنو.
وقال جابر إن الأمن قضية جوهرية، وإن التهاون والمجاملة تقود بصورة غير مباشرة في إفلات منتهكيه من العقاب وتعريض الأرواح للخطر. وتعهد قائد ثاني الدعم السريع الفريق عبد الرحيم دقلو بفرض هيبة الدولة بالكامل، وقال: لن نجامل أحداً مهما كانت مكانته، مضيفاً بوجود طرف ثالث له أجندة يحاول عبرها جر دارفور إلى وضع العام 2003م . فمن يحاول جر دارفور للعام 2003م ومن هو الطرف الثالث المعني؟
عدم الثقة
ويرى المحلل السياسي والأكاديمي د. محمود حسين إسماعيل لـ(الصيحة)، أنه وبعد نجاح ثورة ديسمبر وإطاحتها النظام البائد بمعية الحركات المسلحة وجماهير الشعب السوداني، وحسب الوثيقة الدستورية أن تسارع الأطراف المختلفة وليس الحركات وحدها في توقيع السلام النهائي، ومن ثم أن تسارع الحركات بالقدوم إلى الخرطوم لرسم حاضر ومستقبل البلاد، ولهذه العوامل الموضوعية كان الكثيرون يؤملون في توقيع اتفاق سلام شامل يشمل كافة الحركات المسلحة في غضون فترة زمنية محددة لا تزيد عن الستة أشهر بعد سقوط نظام الإنقاذ، ولكن تطاول الأزمة بين الحركات والحكومة المنطلقة من الحاضنة السياسية لتحالف قوى الحرية والتغيير كل ذلك جعل قضية السلام تراوح مكانها، مشيراً إلى الأمر الذي أدى لهذه التعقيدات التي تعيشها الساحة السياسية هنا وهناك في دارفور في ولاياتها الخمس. ولأن المنطقة خارجة لتوها من أزمة امتدت لأكثر من سبعة عشر عاماً كان متوقعاً حدوث مثل هذه التصدعات، ولذلك لا أرى أن هناك طرفاً ثالثاً يحاول جر المنطقة إلى سنوات الحرب البائدة، وإنما كل الذي يجري نتاج عدم توافر الثقة بين مكونات الإقليم، حيث نشأت ودارت الحرب بينهم لفترة طويلة. ويؤكد حسين بأن الطرف الثالث هو الأزمة السياسية التي يزداد أوارها الفينة والأخرى بفعل التقسيمات السلطوية فيما لا زالت حركات الكفاح المسلح خارج الإقليم، وعزا الأمر إلى عدم الثقة بين المكونات القبلية والسكانية لإقليم دارفور. وأكد بأنه لا أحد يغالط أو يكابر في أهمية السلام وأن يكون على رأس أولويات الفترة الانتقالية وأن يبذل من أجله كل الممكن، وزاد: إذا ما تم التوقيع على السلام فإن كل هذه البثور والزوائد من الظواهر ستختفي إلى اللا عودة.
النظام البائد
ويرى أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية بروفيسور صلاح الدومة، أن الطرف الثالث هو الدولة العميقة نظام المؤتمر الوطني السابق وأعوانه وتحت أعوانه يدخل جهاز الأمن وغيره من القوى التي تنتمي لذاك النظام وبعض منتسبي الجبهة الثورية الذين دخلوا في تحالف وتعاون ينفذ بعض الأجندة المتفق بشأنها، وقال (للصيحة): هناك إئتلاف عريض غير معلن بقيادة المؤتمر الوطني المحلول وهيئة العمليات المتمردة، وقال الدومة إن هذا الائتلاف ظل يقف خلف كل الذي يجري في دارفور، بيد أنه قال إن الاعتصامات التي تشهدها المنطقة حمالات أوجه رغم أنها من الحقوق، ولكن هناك من ظل يعمل تحقيق أجندته الخاصة عبرها، وهنا يمكن للطرف الثالث وهي الدولة العميقة أن تتدخل في هذه الاعتصامات وتحقق ما تصبو إليه عبر إشعال الفتن بين مكونات الإقليم ليسهل لها اختراقه.
فاقدو السلطة
ويضيف الباحث والمتخصص في الشأن الدارفوري الأستاذ محمد الشاعر لـ(الصيحة)، إن ما حدث في دارفور بعد الثورة أصبح هناك نوع من الوعي والمطالبة بالحقوق والسلمية في المطالبة بهذه الحقوق وتحقيقها، مشيراً إلى أن هناك حملة مسعورة من قبل أبناء دارفور (الطرف الآخر) والذين فقدوا السلطة يسعون لتأجيج الصراعات ويصطادون في المياه العكرة لإعادة دارفور للمربع الأول، وقال إن التوقيت الذي اختاروه جاء في زمن حساس والمنطقة تبحث عن السلام في مسيرة لا زالت منطلقة في جوبا وحتمية، ووصف الشاعر هذا المسلك بالاصطياد في المياه العكرة والذي أحدث نوعاً من التوتر. وأكد أن غالبية أبناء دارفور واعيون ومدركون بما يحدث رغم التعقيدات التي تحدث على المستويين، وقال إن المشاكل والتفلتات التي تحدث ليست ذات طبيعة قبلية كما يفهم الناس ويمكن احتواؤها، وأكد أن أغلبيتها مصطنعة بدوافع معروفة تسعى لعرقلة جهود السلام والتعافي، وهي محاولة لصب النار على الزيت، مدللاً على ذلك بالحملات التي يواجهها نائب رئيس المجلس السيادي ومحاولتها عرقلة مسيرة الجهود الماضية رغم المخاض العسير، وتوقع خروج السودان عبر دارفور لمرحلة تعافٍ وتحقيق سلام رغم المخاض العسير. وأكد محمد أحمد أن هذه التيارات التي أشير إليها هي جزء من فلول النظام البائد، مؤكداً إمكانية تجاوز المنطقة لهذه العراقيل عبر وعي الشعب السوداني الذي يمكنه تحديد مطالبه بطريقة سلمية وقانونية.
وأكد محمد أحمد، حاجة دارفور الآن لتصالح اجتماعي وتوافق اجتماعي بين الناس لإزالة العوالق التي دارت خلال ثلاثين عاماً، فمنظمات المجتمع المدني يقع عليها دور كبير في تحقيق هذه المصالح والتي من شأنها أن تعود بالنفع للأمن والسلامة المجتمعية.
تقرير: عبد الله عبد الرحيم صحيفة الصيحة