كتب الطيب مصطفى، قريب أم المخلوع، رداً على فيديو ناطق للفريق محمد الغالي – لا أعرف الغالي شخصياً- ذكر فيه عبارة شباب الثورة الرائجة : “أي كوز ندوسو دوس” وقال الطيب ان الغالي تعهد أيضاً في مناسبة محضورة بطرد جميع الكيزان من الجيش.
* لكن دعونا نقف متأملين أولاً في عنوان زاوية الطيب مصطفى الراتبة الموسومة “زفرات حرّى” فالزفرات هي الآهات و التنهدات التي تصدر عن الشخص الغاضب المغبون أو المُستفَز.. وليس تعبيراً عن عقلانياً عن رأي أو وجهة نظر بمناهج الحكمة والنُهى، وهي قطعاَ تحمل في ظلالها الحالة النفسية والمزاج العام الكئيب لشخصية الكاتب.. فمن يعتمد الزفرات الحرّي المنفلتة والمُزمجرة اسلوباً لخطابه و تعبيره، يخالف الهُدى النبوي الذي أوصى المسلم في حديث مشهور بأن “لا يغضب” وكررها ثلاثاً.. و هي دعوة صريحة لكظم الغيظ والعفو عن الناس والتسامح.. لأن الغضب، كما السُكْر، يُذهب العقل ويُفقد صاحبه الرويّة والرشاد.. و للزفرات صلة لغوية اشتقاقية – تصريفية أيضاً ب (الزَّفَر والزفَارة) التي تعني النتانة أو الرائحة الكريهة المُنفِّرة..
فما قولكم في شخص اتخذ “الزفرات الحرّى” أي الشديدة و الانفعال اللاإرادي نهجاً لما يخطه قلمه.. و هذا بالضبط ما جعلني أنأى بنفسي عن الدخول معه في أي حوار أو أخذ ورد، كما سيرد.
* توجه الطيب بدءاً بسؤال استفزازي للفريق الغالي: هل شاركت في أي من حروب الجنوب و شرق السودان.. وأردف؛ إذا لم تنال شرف المشاركة منافحةً عن وطنك الغالي، فما أقل من أن تسأل بعض رفاقك في مجلس السيادة و خارجه من الذين رافقوا “الشهداء الكيزان” – هكذا كتبها- وسمّى بعضهم من الأموات والأحياء- بما فيهم “أنس عمر” الذي اعتقل أخيراً.. ثم أردف متوعداً ومهدداً بحرب كيزانية قادمة بقوله : “إنهم لا تزال أيديهم على الزناد ينتظرون على أحر من الجمر أن ينافحوا (مجدداً) عن دينهم و وطنهم”
* بصراحة، كنتُ قد أخذتُ على عاتقي- كما سبقت الإشارة- أن لا أدخل مع الطيب مصطفى في أي حوار أو جدال صحفي، بتقدير أنه “لا يستحق”.. وكان أن ناوشني مرة بمقال دون سبب في إحدى” زفراته”، فكان ردي عليه بسطر واحد، ذيلتُ به” إضاءة ” عن موضوع آخر، فقلت له : ” إلى الطيب مصطفى؛ لا أنت ولا ما كتبت و لا ما ستكتب يستحق الرد” .. لكن لتبجحه الزائد هذه المرة، برغم سقوط النظام الذي يأويه، وجدتني أعلق – وأنا آسف – على ما كتب بالسطور التالية:
# المنافحة عن الوطن – يالطيب – أم الحرب الملعونة الاجرامية من أجل “تمزيق الوطن” .. الذي توليت أنت كِبره وجندت قلمك و لسانك دهراً من أجله، وذبحت ثوراً أبيض احتفالاً “بانجازه”.. هل سألت نفسك يوماً؛ لماذا كان إهدار دماء و أرواح آلاف الجند والشباب الذين تتفاخر و تنتفخ به
أوداجك اليوم في الجنوب إذا كانت النتيجة ستكون تشطير الوطن وذهاب الجنوب وخسارة أرضه وثرواته وإنسانه؟!..
فهل كانوا مجرد قرابين مبذولة على “مذبح المؤامرة الانفصالية” تسمونهم – بمزاجكم- وقت الحاجة “شهداء” تزفونهم عرساناً مجرتقين الى الجنة، وتنعتوهم في مرات أخرى بأنهم مجرد “فطايس” عندما يُقضى الأمرُ وتنتهي المهمة بتقطيع أوصال الوطن؟!
# أما أنت فلا تثريب عليك ولا ملامة، فأنا أعرف تماماً من أنت، منذ أن طرقت باب صحيفتنا السابقة “الاتحاد” الإماراتية ليلاً باحثاً عن “أي عمل”، ليس حتي من في مجال تخصصك أو خبرتك السابقة الممتدة “كفني بريد و برق”.. و عندما عدت مُرحلاً و مُبعداً من هناك، تحولت إلى مجرد شخصٍ غاضب مندفعٍ و منفعلٍ فاقدٍ للذكاء الاجتماعي والوعي السياسي.. شخصٌ يمكن استخدامه لأغراض لا يدرك أبعادها ولا مراميها، وقد كان.
# قادتكم أفهموك أن مشكلة السودان ومشروعهم الحضارى و دولته الدينية الشمولية تكمن في تنوعه و تعدده الإثني و الثقافي والديني، الذي يمثل الجنوب جزءاً مهماً منه، وتعقيداً حقيقياً لذلك المشروع الاقصائي الطائفي، و أن السبيل الوحيد لإقامة دولة دينية صفوية إسلاموية هي التخلص من الجنوب مرة وإلى الأبد.. و هم – قادتكم – بذكائهم التكتيكي وخشية “الادانة التاريخية” و تبعاتها على مستقبلهم السياسي لاحظوا في شخصك الاندفاع و النزعة العنصرية المتأصلة، فأوكلوا لك هذه المهمة، و نفخوا فيك و صوّروا لك أنك تصلح للزعامة والقيادة ويسروا لك – مع آخرين مختارين يشاركونك الخصائص ذاتها- مهمة إنشاء منبرٍ للتبشير الفج والفاجر بفصل الجنوب فأسموه عبثاً أو اسميته أنت غفلةً (منبر السلام العادل) وهو ليس له من السلام ولا العدل أدنى نصيب.. إلا إذا فهمتهم ان “الحرب العنصرية” التي اعتبرتموها (جهاداً) سلاماً وعدلاً، وهي الأخرى أيضاً لا تماثل مفهوم الجهاد الاسلامي “التاريخي” في أي شيء.. لأنكم – ببساطة – كنتم المعتدون وتقاتلون الجنوبيين في ديارهم ومرابعهم الأصلية، ليس دفاعاً عن “وحدة الوطن” كما كان يحدث في الماضي، ولكن لإلحاق أكبر قدر من الأذى و الضرر بهم.. بناءاً على مخطط خبيث يستهدف إقناعهم في نهاية المطاف، بأن سوداناً بهذا القدر من الكراهية والجفاء و العدوانية لا يمكن التوحد معه والعيش في إطاره، وقد كان لهم ولك ما انتويتم.. وتحقق الانفصال بأغلبية تسعينية من أصوات الجنوبيين استجابة لتلك المخططات الجهنمية، المستجيبة من قبل قادتكم لاستراتيجيات أجنبية استهدفت تمزيق وتقزيم السودان “عملاق القارة” و أملها في الاستقرار السياسي و قيادة التقدم
# وكنت أنت سيادتك “الحصان الأغبر” و مخلب القط المغروز في خاصرة الوحدة الوطنية لتفعيل وتسريع المؤامرة و “شيّلوك القفة” و ظنوا بذلك أنهم نجوا بأنفسهم من لعنة التاريخ.. لكن هيهات فهناك في الوطن و في العالم من حوله عيون ترصد الوقائع وعقول تفهم معني الأفعال وتحلل النتائج و تحكم عليها بموازين العدل والقسط.. إن كنتم تعلمون أو تفقهون!!
صحيفة أخر لحظة