(1)
ولنتجاوز نظريات وسياسات حركة التحرر الافريقية التي نادت بالوحدة داخل الاقطار الافريقية وتقديس الحدود التي تركها المستعمر (مؤتمر القمة الافريقي القاهرة 1963 ) والوحدة بين الاقطار الافريقية كما كان يلهج بها الزعيم الخالد كوامي نكروما فلكل نظرية وسياسة ظروفها ونرى ما حدث لاثيوبيا بعد أن فككت نفسها واعادت لارتيريا استقلالها فالامر الماثل امامنا اﻵن أن اثيوبيا قد انطلقت بسرعة الصاروخ ولم تكتف بانها ابنة الغرب المدللة بل انفتحت على كل الدنيا لدرجة أن الصين وتركيا يصنعان في اثيوبيا والغرب يشتري (اها تقولي شنو وتقولي منو ؟) اثيوبيا اصبحت اﻵن من اقوى الاقتصاديات في افريقيا إن لم تكن اقواها على الاطلاق وبتخطيط مركزي فلم تسمع كلاما لصندوق النقد الدولي و لامريكا ذات نفسيها اذ لم تقع في مصيدة حرية السوق والخصخصة وتعويم العملة والذي منه اما سياسيا فيكفيها تطورا ان دستورها يعطي المواطن كل ما يطلبه من حقوق بما فيها حق تقرير المصير فأصبح سلاح تقرير المصير في يد الدولة وليس في يد من تمرد عليها بينما مصر والسودان ظلتا تقبعان في الصراع على السلطة داخل كل منهما ثم الصراع بينهما على الحدود والنفوذ وحاجات تانية حامياني . هذه الرمية وان شئت قل هذه الارضية مهمة جدا لفهم لماذا استطاعت اثيوبيا في السنوات العشر الماضية انجاز مشروعها الوطني الكبير وهو قيام سد النهضة على حساب الامن المائي لكل من مصر والسودان نعم على حساب الامن المائي للبلدين مع اقرارنا كامل الاقرار بانه من حق اثيوبيا الاستفادة من كل مواردها الطبيعية وعلى رأسها الماء حيث تهطل اﻷمطار فوق اراضيها ولكن كان ينبغي عليها ان تراعي حقوق اﻵخرين وبلغة كمال ترباس (راعي حرماني واخشى عامل السن ).
(2 )
قلنا في المقال السابق إن اثيوبيا قد قررت قيام سد النهضة وهو قرار مشروع ولكن نذهب الى اكثر من ذلك ونقول إن اثيوبيا لاتريد من السد خدمة نفسها بالاستفادة من مواردها وتنمية اقتصادها واكمال نواقصها بل تريد أن تكون الدولة الاعظم في الاقليم وتريد أن تضع مصر والسودان تحت ابطها اي تتحكم فيهما طالما أن شريان الحياة في البلدين ينبع منها إلا وكانت أن تقيم ذات السد باتفاق تام بين الدول الثلاث ولكن بتفاصيل مختلفة مش كدا وبس في بداية القرن الماضي كان هناك تفكير أن يتم تخزين كل ماء النيل الازرق داخل اثيوبيا لان كمية التبخر في المنابع قليلة ولكن تسامي النزعة الوطنية والشك في اﻵخر والخوف من المستقبل جعل مصر عبد الناصر تعجل بقيام السد العالي ثم تبعها السودان بقيام خزان الرصيرص ومروي وخطط لسدود اخرى فلا شيء يمنع اثيوبيا من أن تقيم خزانها او خزاناتها في ارضها ويحق لمصر والسودان أن يشكا في النوايا الاثيوبية طالما انها رفضت اشراكهما في تفاصيل قيام السد بحجة ان هذا امر سيادي علما بأن كل القوانين الدولية تفرض على الدول المتشاطئة أن تتفق على المنشآت المقامة على ذات النهر ويحق لمصر والسودان أن يصفا اثيوبيا بالانتهازية طالما انتهزت حالة ضعفهما وانشغالاتهما الداخلية وبدأت لا بل مضت في اقامة السد وبسرعة الصاورخ ويحق لهما أن يصفاها بالمكر والخديعة لانها قابلت خطواتها الاولية بلغة دبلوماسية تطمينية (نعم نحن اخوات ) وأن السد سيكون في خدمة الجميع وان نشأة السد خالية من الاسرار وزادت كيل بعير بالقول للسودان إن فائدته من السد ستكون اكبر من اثيوبيا وعندما وصلت مرحلة التشطيب غيرت لغتها وانفردت بالقرارات كملء السد وتشغيله وصعرت خدها وغيرت لغتها وقالت لهما اركبا اعلى ما في خيلكما. كل هذه الاشياء مجتمعة تجعل الشك في نوايا اثيوبيا مبررا ومعقولا لابل لابد منه فالنهايات تظهر دائما في البدايات اللهم الا للغافل.
(3 )
ما كان يمكن لاثيوبيا أن تشرع في قيام السد في عهد حسني مبارك والعهود التي قبله لان الاوضاع في مصر كانت مستقرة بغض النظر عن طبيعة الحكم وكان امن مصر المائي خطا احمر وهي قادرة على حمايته ولكن بعد ثورة يناير 2011م حدث عدم استقرار في نظام الحكم (طنطاوي مرسي سيسي) في فترة وجيزة واستعر الصراع على السلطة واصبحت معركة السلطة الداخلية هما اولا والتدخلات الاقليمية كانت في قمتها وشيطنة اﻵخر الوطني كانت في قمتها والمحاور الاقليمية دون أن يكون لمصر دور الريادة فيها كانت مدورة فكان الانشغال بأمر الحكم داخل مصر هو الذي له الاولوية . اما في السودان فالحال من بعضه بعد انفصال الجنوب تحولت الحرب الاهلية الى حرب بين دولتين وخرج البترول من ميزانية البلدين وكان قد سبقه انشقاق النظام الحاكم الي وطني وشعبي ومعارضة شرسة اعلنت استعدادها للاستعانة بالشيطان للقضاء على الانقاذ التي كانت هي الاخرى قد شيطنت المعارضة فكان الحصار الاقتصادي وكان التمحور على اشده من باب التبعية والاسوأ مما يحدث داخل البلدين كانت العلاقة بينهما اذ كانت محاولة اغتيال حسني مبارك في اديس اببا –لاحظ في اديس اببا – ثم رد الفعل المصري باحتلال حلايب ورفض اي حديث حول هذا الامر كتحكيم دولي او جعلها منطقة تكامل انما تمصير وبس ذلك وبعد حلايب وقبلها كانت العلاقة في غاية التوتر ومن ايام حرب الخليج وقد برع البلدان في تبادل الاذى لدرجة مرحلة الاعتداء بالضرب على الدبلوماسيين في البلدين (منتهى التخلف )
(4 )
والحال كذلك في البلدان الثلاثة , اثيوبيا استقرار وتطور اقتصادي وسياسة خارجية منفتحة على الدنيا ,مصر صراع داخلي على السلطة، السودان صراع وحصار اقتصادي وبين مصر والسودان نزاع لا بل صراع حدودي , استغلت اثيوبيا موازين القوة المائلة لصالحها وشرعت في بناء السد وبدعم من جهات دولية غير معلنة ولكن اﻵن انكشف امرها حيث ظهر من بينها من يعتبر حليفا لمصر والاهم من ذلك انها لم تكتف بحياد السودان مستغلة التباعد بينه وبين مصر لا بل جعلته يقف الى صفها اذ اقنعته أن فوائده من السد عظيمة وان معارضة المصريين للسد ليس لانه يهدد امنهم المائي بل لانه سيفيد السودان اكثر وانه سوف يحرم مصر من الاستفادة من فائض حصته بموجب اتفاقية 1959 (الظالمة) والذي كان يذهب لمصر بدون مقابل وقد تولى كبر الترويج لسد النهضة وزارة الرى السودانية التي لم تتغير تركيبتها مع التغيير الثوري الناجم عن ثورة ديسمبر الشعبية المجيدة مما يشي بأن قرار دعم السد كان قرارا سياسيا في المقام الاول وليس قرارا فنيا بحتا ويدعم ذلك أن هناك عددا كبيرا من كبار مهندسي الرى في السودان نبهوا لمخاطر سد النهضة على السودان منهم المهندس يحيى عبد المجيد والمهندس كمال علي وكلاهما قد تولى وزارة الري لفترة طويلة ومن الاكاديميين الذين يرون أن السد خطر داهم على السودان الدكتور أحمد الرشيد سيد أحمد قريش صاحب دراسات غزيرة وعميقة حول هذا الموضوع ولكنه زاهد في الاعلام.
(5 )
دعونا نقفز شوية فوق الاحداث لزوم ربط هذا المقال بالسابق ثم اللاحق إن شاء الله فاثيوبيا بعد أن اكملت بناء السد قررت البدء في عملية المل شهر يوليو القادم فطلب منها البلدان التمهل حتى يتم التوصل لاتفاق حول النقاط المختلف عليها وهي نقاط لا تعدو أن تكون تفاصيل صغيرة لان السد قام وانتهى رفضت اثيوبيا وقالت إن قرارها لا رجعة فيه حتى عندما قال لها السودان إن سد الرصيرص الذي يبعد خمسة عشر كيلو متر فقط من سد النهضة سوف يتأثر بعملية الملء فدعينا ننسق رفضت اثيوبيا وابرزت العين الحمراء للسودان في بركة نورين والقلابات فاﻵن مصر والسودان في سرج واحد ولكنه سرج مهلهل على ظهر حمار مكادي فمصر مع حفتر في ليبيا وشكوى لمجلس الامن والسودان داخليا حاله يغني عن سؤاله من مسيرة مليونية الى ترس الى لستك محروق وقد يعود اليه السفير الاثيوبي اسماعيل درير قريبا ليشكل له حكومة جديدة فانتظرونا إن شاء الله في مقال قادم لنرى أن نقاط الخلاف حول السد هي التي غير المعلنة من فترة للملء او تشغيل السد انما حاجات تانية حامياني فماهي ؟ وفي مقال بعده دعونا نرى كيف نجحت اثيوبيا فيما فشلت فيه مصر من كسب السودان اليها هذا اذا امد الله في الايام.
صحيفة السوداني