غير مصنف

السودان: عثمان جلال يكتب: بين الثورة والثورة الزائفة

الانتباهة اون لاين موقع اخباري شامل

(1)
مهام الثورة الوطنية العميقة حشد كل طاقات المجتمع بكل تنوعه الديني والعرقي والايديولوجي، لإسقاط نظام الاستبداد ، وضرورة استمرار وحدة وتماسك المجتمع لبناء نموذج النظام الديمقراطي التوافقي والمستدام، وبنيته التحتية الأحزاب السياسية الحديثة التي تسع عضويتها كل المجتمع، وتنتظم في مؤتمرات دورية لانتخاب أجهزتها التنظيمية، واختيار صفها القيادي الأعلى والذي ينبغي أن يمكث في الهرم القيادي لآجال زمنية محددة تجديدا للقيادة والأفكار وكذلك يجب أن تركز الأحزاب الوطنية على برامج النهضة والتنمية، وتعميق ثقافة قضايا البناء الوطني والديمقراطي، والنأي عن الأيديولوجيات العابرة للحدود الوطنية وان تكون الأحزاب سودانوية الهوى والهوية، وإنهاء الولاءات الطائفية الموروثة في السياسة السودانية والتي تعمل بمبدأ الوراثة في القيادة، والتبعية العمياء من الجماهير، وضرورة أن تتشكل كل القوى السياسية الوطنية في كتلة حرجة استراتيجية وعلى المدى الطويل لترسيخ وتثبيت المشروع الوطني الديمقراطي كثقافة في بنية المجتمع، وتأسيس مؤسسات المجتمع المدني القوية التي تضمن استدامة النظام الديمقراطي، واستحالة إعادة إنتاج نظام الاستبداد من جديد، وان يكون جوهر مشروع الثورة الوطنية الديمقراطية العميقة استعادة قوامة وهيمنة مؤسسات المجتمع في الحكم وإنهاء ثقافة وبنية مؤسسات الاستبداد الواطئة بثقلها لآماد طويلة على المجتمع والحكم، لأن النظام الاستبدادي يستطيع من جديد توظيف تناقضات قوى الثورة والعودة إلى منصة الحكم تحت زرائع حفظ الأمن ووحدة الدولة، وفزاعة التفكك والانهيار ، وحركة التاريخ توفر لنا أمثلة عن الردة في الثورات (اليعاقبة ونابليون في فرنسا، واختزال البلاشفة الثورة الروسية في الشعار الزائف كل السلطة للسوفياتات والتي انتهت إلى دكتاتورية استالينية)، وأيضا عندما تنتكس الثورة إلى حالة فوضوية يحاول بعض أعضاء النظام القديم قطع الطريق أمام استمرارية الثورة في إنجاز مهامها من خلال تنفيذ ثورة مضادة وقد يدعي هؤلاء انحيازهم للثورة، ولكن في الواقع يسعون خلف الأبواب المغلقة إلى فرض نموذج استبدادي مطور من النظام القديم.
لذلك فإن استعادة هيمنة المجتمع كمرجعية للحكم تتطلب اجتراح الأفكار والشعارات والخطاب الذي يوحد ولا يحدث انشقاقا في بنية المجتمع،يشكل نواة لثورة مضادة.

إن مشروع الثورة الوطنية الديمقراطية عملية فكرية وسياسية ينبغي أن يكون شعارها (نحن كلنا السودانيين بكل تناقضاتنا الفكرية والسياسية صناع الثورة)، والا تكون الثورة مشروعا استقطابيا وحالة مقابلة بين (نحن قوى الحرية والتغيير صناع الثورة) (وهم باقي القوى السياسية الوطنية ضد الثورة)، ان الضمير الجمعي (نحن) في مشروع الثورة العميقة يعني نحن كل أبناء (الوطن الواحد) مع ثورة التغيير الحالية، وإنهاء دورة الاستبداد التاريخية، ومع بناء مشروع التعددية السياسية الديمقراطية ونتعاهد جميعا على حماية وصيانة هذا المشروع في إطار نظري هو العقد الاجتماعي، ونتعاهد على حراسة مشروع الثورة الوطنية الديمقراطية ككتلة وطنية واحدة بكل أحزابنا السياسية، وكل قطاعات المجتمع، ومؤسسات المجتمع المدني ونتعاهد أن تكون منجزات مشروع الثورة السودانية القيم العليا الثابتة بيننا، واي خلاف بيننا يجب أن يكون خلاف تنوع غايته تعميق وترسيخ الثقافة الديمقراطية في أبنية المجتمع. ولذلك فإن دور قوى الحرية والتغيير الاستراتيجي إنهاء حالة الثنائية المضرة في التعاطي مع الثورة وتشكيل الكتلة التاريخية الحرجة لإنجاح المرحلة الانتقالية، وإنجاز مهام الثورة الاستراتيجية وقفل الطريق أمام قوى الردة والاستبداد،وهنا تتجلى حالة التباين بين عقلية العظماء والآباء المؤسسين للمشاريع الوطنية الكبرى، وعقل الناشطين المنكفيء على الأجندة الذاتية والحزبية (وطبعا هناك فرق)

ان الثورة التي تتصدى لإنجاز مهامها قوى فكرية وسياسية أحادية، تنزع إلى فرض عملية هندسية في احواز المجتمع مما يؤدي إلى شرخ عميق في المجتمع يقود إلى إجهاض الثورة أو ترتد الثورة إلى استبدال استبداد باستبداد،وتمكين بتمكين، ولذلك فإن نجاح الثورة في انجاز مهامها الاستراتيجية يتطلب صناعتها من كل قطاعات المجتمع، وإدارة مرحلتها الانتقالية بالإجماع، والشراكة بين كل الأحزاب السياسية، أو التوافق على إدارة مهام الانتقال بعناصر محايدة (كفاءات مستقلة ) تجنبا للانشقاقات، وكذلك يتطلب أن تنأى الأحزاب السياسية من إقحام مشاريعها الفكرية الذاتية والتركيز على المشروع الوطني الكبير، وكذلك يتطلب مشروع الثورة الديمقراطية العميقة اطراد استمرار التحالفات الاستراتيجية بين كل القوى السياسية الوطنية حتى يترسخ النظام الديمقراطي المستدام بنية وثقافة ومؤسسات متينة وراسخة تسمح بالتمايزات الفكرية والايديولوجية.

ان الثورة الديمقراطية العميقة غايتها خلع مسوحات القداسة الدينية الزائفة لنظام الاستبداد ورد قضية الحكم وإدارة الدولة إلى الإرادة العامة للمجتمع ولكن ينزع البعض إلى خلق حالة من التناقض الوهمي بين الدين والمشروع الوطني الديمقراطي، إذ لا توجد حالة تضاد بين الدين والديمقراطية الا عندما يكف الدين عن كونه متسامحا وعادلا، وهذا مرده إلى السلوك البشري النسبي في التعاطي مع مثالات هذه القيم، ومعلوم أن المسيحية المثالية رصفت الطريق أمام الثورة الفرنسية بشعاراتها الحرية والعدالة والمساواة، وماكس فيبر يرى أن البروتستانتية وحركة الإصلاح الديني اللوثرية قبل ارتدادها إلى ارثوذكسية جامدة كانتا وراء نشأت الرأسمالية الغربية، وان معظم الديمقراطيات الحالية في الغرب الأوربي وامريكا ذات أصول ومصادر دينية مسيحية .

The post السودان: عثمان جلال يكتب: بين الثورة والثورة الزائفة appeared first on الانتباهة أون لاين.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى