السودان اليوم:
«1»
قبل أيام طالعنا على منصات التواصل الاجتماعي مستند يشير إلى رفض وزير الصحة د. أكرم علي التوم حافز اجتماعات، ومن ثم إعادة الحافز إلى الجهة التي صدقت به ، ومن قبله طالعنا عبر الوسائط ، مستندا تداولته المواقع ايضاً يشير إلى إعادة وزير التجارة مدني عباس مدني حافز اجتماعات مقدم من شركة كنانة، ومن قبل مدح الإعلام د.حمدوك وهو يقوم بإرجاع تذاكر السفر بعد اختياره رئيساً للوزراء بحجة أنه حتى ذلك الوقت لم يتسلم منصبه رسمياً ولم يؤدِ القسم بعد…
«2»
هذه كلها تصرفات نزيهة ولاتصدر إلا من عناصر ذوي استقامة وأمانة، وفي رأيي هذا هو الوضع الطبيعي، ولم تأت الثورة ولم يحدث التغيير إلا لمعالجة الأوضاع المختلة التي كانت سائدة قبل الثورة، فما بدر منهم أمر يخالف حالات النهب المحمي بالقانون واللوائح والذي كان يتنافس في مضماره (كباتن الإنقاذ)، حيث كان (الشيخ) الوقور منهم ذو اللحية البيضاء، والجلباب الابيض، و(الجزمة) البيضاء، والعصا الابنوسية والشال (المطرز) ، تجده عضواً في مجالس إدارة عشرة مؤسسات أو يزيد ، وكل مجلس إدارة له حوافزه الكبيرة وسلفياته وميزاته، ومخصصاته حيث كان (الشيوخ) ذوي اللحى البيضاء والوقار ينهبون بالقانون المال العام، ويجمعون الثروات بذات القوانين واللوائح التي يفصلونها على مقاساتهم ويجيزونها لتقنن مثل هذه السرقات.
«3»
لتعزيز ماسبقت الاشارة اليه ، لعلي أذكر هنا تصريحات سابقة للجميعابي حينما خرج مغاضباً أشار فيها إلى حوافز الاجتماعات للشيوخ الذين هم أعضاء مجلس ادارة في عدد من المؤسسات والهيئات والبنوك والشركات الحكومية، وقد ذكر أرقام الحوافز وكان أمراً يشيب له الولدان، إذ كانوا يحصلون عليها دون جهد أو عرق ، (يعني نهب راوسو عديل)، لكن بالقانون…
«4»
ولعلكم تذكرون أيضاً، المليارات التي انتزعها جهاز أمن البشير من بعضهم فيما سُمى بحملة مكافحة الفساد ومحاصرة القطط السمان في إطار تصفية الحسابات مع التيار الرافض لإعادة انتخاب البشير، فكانت كلها حوافز اجتماعات ومخصصات وأشياء أخرى ما انزل الله بها من سلطان، وقد عجز جهاز الأمن عن محاكمة تلك القطط بالقانون، لأن السرقة كانت محمية بالقانون واللوائح ومستندة عليها وهي لوائح اجازتها مجالس الادارات، ومن سخرية القدر ان هذه اللوائح التي اجازتها مجالس الإدارات جاءت مع سبق الإصرار والترصد لتقنين سرقتهم والإفلات من العقاب، فلم يكن أمام جهاز أمن البشير إلا أن أجرى معهم تسويات وانتزع منهم جزءاً يسيراً من هذه المليارات التي كانت تتراوح مابين 60 مليون دولار كما في حالة (فضل)، و 8 مليار جنيه كأصغر رقم من أصغر “قط” ..
هذا الفساد المقنن كان كافياً لجمع الثروات الطائلة والسحت والمال الحرام تحت مظلته دون جهد وتحت حماية اللوائح والقوانين..
«5»
هؤلاء الشيوخ الذين تحولوا فيما بعد إلى قطط سمان ونهبوا المال العام، فقد كانوا “صحابة” في سلوكهم ومثالياتهم وهم في سنة أولى حكم، حتى أطلقت عليهم الصحافة المصرية الإخوانية صحابة القرن الواحد وعشرين…
«6»
وعندما استولت الجبهة الاسلامية على السلطة عن طريق الانقلاب في 30 يونيو 89 كان أعضاء مجلس قيادة الثورة (شغالين تراحيل) للمواطنين، جيئةً وذهاباً وهم في قمة الت.اضع والذهد والمثالية، كانوا يتوقفون عند المحطات كل واحد منهم يحمل على سيارته من المواطنين ما شاء الله له أن يفعل…
فقد كان هؤلاء “الصحابة” يفطرون بـ” ساندوتشات فول” فقط تنفيذا للتوجيه الصادر من النائب الاول لرئيس الجمهورية آنذاك الزبير محمد صالح ، على أن يتساوى في هذه الوجبة كل موظفي القصر الرئاسي من الرئيس إلى موظفي الاستقبال والخفراء ..
«7»
أما البشير في عهد الانقاذ الاول عندما نما الى علمه بوجود جوال سكر بمنزل الاسرة حينما كان السكر معدوماً وليس مسموحاً باستيراده لأي كائن من كان باستثناء المغتربين الذين سُمح لهم بجوالات سكر لكل مغترب، عندما علم البشير بوجود جوال سكر بمنزل الأسرة استشاط غضباً، وغادر مكتبه على الفور وذهب لوالدته يستقصى بنفسه، وسألها: (يا امي هل صحيح يوجد جوال سكر في بيتنا)، فاخبرته بأن ابن اختها المغترب هو الذي ارسله لها وكان قد شقَّ عليه أن يوجد جوال سكر في بيته بينما رعيته تتناول القهوة بالبلح لانعدام السكر في كل البيوت السودانية..
لكن بعد سنوات من ممارسة الحكم، تحول اغلبية الصحابة الى قطاع طرق، وكبيرهم الذي غضب لوجود جوال سكر في بيته، وُجدت بداره عشية السقوط ملايين الدولارات ومثلها من اليورو والجنيهات مخبأة في الادراج السرية…
أعود وأقول أن الكثيرين من أصحاب اللحى البيضاء “صحابة القرن الواحد العشرين، تحولوا بمرور الزمن إلى لصوص” وقطاع طرق…
«8»
وخلاصة القول إننا لانشك حتى الآن في نزاهة واستقامة حمدوك، ولا اكرم ولا عباس مدني، ونفترض أن الذي بدر منهم هو سلوكهم الحقيقي والطبيعي، مالم يظهرون عكسه من ممارسات سابقوهم، كما أننا لسنا بحاجة لأن ينشر لنا أحد ما يثبت نزاهتهم، فما فعلوه هو أمر طبيعي في زمن التغيير الذي جاء ليقضي على تلك الممارسات التي سبقت الاشارة اليها، وأقول في نفس الوقت لاتستعجلوا بالاحكام على مسؤولي الدولة فالعبرة بالخواتيم، والممارسة السياسية هي التي تظهر النقاء من عدمه حتى آخر شوط… وممارسة السلطة والحكم هي محك الاختبار الحقيقي، فإما ان يكون الذين تروجون لافعالهم الحسنة من صنف الازهري والمحجوب، ويحى الفضلي، ومحمد محمد خير المحامي وعبود ، ونميري فيفوزوا فوزاً عظيماً، وإما أن يكونوا من جماعة (هي لله) النسخة الثانية، وذلك هو الخسران المبين ، وهذه النتيجة لن تكون دقيقة إلا في آخر المشوار… اللهم هذا قسمي فيما أملك.
نبضة أخيرة:
ضع نفسك في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله ، وثق أنه يراك في كل حين.
The post صحابة القرن الواحد وعشرين.. بقلم احمد يوسف التاي appeared first on السودان اليوم.