السودان اليوم:
برغم الحظر إلا أنني إمتطيت دابة سفر من الخرطوم ( محل الطيارة بتقوم وحمدوك بنوم… )… إلى الجزيرة والسبب مناسبة عزاء في إحدى قرى الجزيرة وتقع هذه القرية الوادعةَ بالقرب من مدني.. … هي قرية (العريباب) والتي تعتبر من مصاف المدن.. هي كبيرة جدا من حيث الحجم و متميزة بكثافة عالية من السكان… عندما وصلت سرادق العزاء المنصوبة وجدت رهطا كثيفا من الناس الذين يشاركون أهل المتوفى و الذي تربطني به قرابة متجزرة…. كنت أظن عندما أحضر أرى كل المشيعين يلبسون الكمامات..! ولا أحدا يصافح الآخر… ويبعد الآخر عن أخيه مسافة متر.. كما نصحنا الطريفي زول النصيحة د. (أكرم)… وكما رأينا طوال فترة الحظر مايفعلونه ناس الخرطوم… لكن وجدت العجب كأنهم لم يسمعوا بكورونا على الإطلاق ، مصافحة بالأيادي وسلام بالاحضان و(طقطيق ضهر كمان!) .. حتى احتار الذين أتوا معي وذهلوا….
ماحدث في سرادق العزاء ومارايته أزال غمة كانت جاثمة في صدري.. وخيبة أمل أحاطت بي…. هي أننا بسوء الأحوال التي أصابتنا بعدم وجود الحكم الراشد في هذه البلاد.. أننا افتقدنا القيم النبيلة السمحة التي رأيناها في أجدادنا وتربينا عليها… أننا انتهينا وصرنا كأهل المشئمة في الدنيا…. تجور علينا سموم الظالمين… ويلفحنا حميم الحكام الذين أتوا على غفلة من الزمان … هناك في هذه القرية وجدت طيبة لم ولن تنتهي… ومعين كرم لم ولن يجف…. وبسمة مشرقة تراها كل حين من وجوه نيرة… وتكاتف فريد في نوعه ليس له مثيل … وعزة وشموخ ترسخ بثبات الأصل السوداني النبيل… رأيت وفودا تأتي وأخرى تنصرف بكثافة تفوق حد الوصف أتو لأداء واجب العزاء من داخل القرية.. ومن خارجها برغم الحظر الا أنهم وصلوا… رأيت ( أعمدة) تحمل من أهل القرية مليئة بما لذ وطاب من الطعام تتزاحم عند مواعيد الوجبة، تلمع بريقا من من بركة…. لم تقف هذه العادة طوال أسبوعا كاملا برغم من الوضع الإقتصادي السيئ وارتفاع الدولار الذي وعدنا رئيس اللجنة الاقتصادية (دلقو) بأنه سوف يرميه ولم نري حتى الآن… أن الدولار قد وقع أو حتى( اخد ليهو دفرة!)…ولكنه ظل… ( واقف منتظر…. والقدلة زاتا وهيبتوا)….
مارأيته في هذه القرية من قيم شامخة ونبيلة يعكس الأصل الطيب لأهلها… والشيم الكريمة التي قاموا عليها… إذن الدرس الذي نريد أن نتعلمه من أهل هذه القرية ذهب البشير أم جاء حمدوك… ذهب حمدوك أم أتى غيره… ان ضاقت علينا الأرض بما رحبت … أو تشبث في أوصالنا عام الرمادة… أو ضحك جنيهنا السوداني أمام الدولار…. أم أصابه تثبيت الأكتاف من قبل الدولار في حلبة مصارعة سوق العملات… سوف تظل قيمنا السودانية وعاداتنا لا ولن تنتهي.. وسيظل تكاتفنا الفريد من نوعه باق والذي لايوجد مثله في العالم إلا في السودان .. وسوف تظل مساجدنا مفتوحة للصلاة والذكر لا تغلق ابدا… وسيظل لساننا رطبا بذكر الله حتى وإن يبس عند الموت قلبنا ينبض به… وتظل القيمة السمحة هي الباقية ويظل الوطن مترسخ وثابت بطيبتنا وسماحتنا وكرمنا ..إذن (كيف تقول لي….إنتهينا )؟.
The post كيف تقول لي إنتهينا؟.. بقلم ياسر الفادني appeared first on السودان اليوم.