منذ مقتل جورج فلويد المواطن الأمريكي من أصل إفريقي على يد رجل شرطة من البيض، في 25 مايو 2020 بمدينة مينيابولس، مينيسوتا في الولايات المتحدة الأمريكية، انطلقت حول العالم مطالبات بضرورة مكافحة العنصرية وإزالة مظاهرها، وفي السودان ظهرت مطالبات مماثلة تدعو إلى مكافحة العنصرية وسن تشريعات تعاقب من يدعو لها، وفي مدينة شندي دون الناشط في لجان المقاومة والمحامي ديماس مرجان بلاغاً بالرقم 1273/ 2020م تحت المواد 159-160 بنيابة شندي، ضد سيدة وجهت له إساءة عنصرية، وكتب ديماس على صفحته بالفيس بوك : ” تعرضت لإساءات عنصرية بالغة هذا الصباح من قبل أحدي السيدات بالحي الذي أسكن فيه، وذلك خلال خدمتي كمتطوع مع لجنة التغيير والخدمات بمربع (38 شرق) بمحلية شندي ولاية نهر النيل” وأضاف ديماس: ” تسامحت مع سيل من الإساءات والألفاظ البذيئة التي وجهت لي ولآخرين من أعضاء اللجنة ولكن لن اتسامح مطلقاً مع الإساءات العنصرية والتي وجهت لي شخصياً، ومن ضمنها لفظ “عبد” ، وأضاف : “وبكل أسف كررت هذه السيدة هذه العبارات المسيئة مراراً وتكراراً رغم تدخل البعض لمنعها دون جدوي “.
وقال ديماس: “رغم قناعتي بأننا لا نملك تشريعاً كفيلاً بردع كل من تسول له نفسه توجيه الإساءات العنصرية البغيضة للغير، ولكنني سأمضي في المطالبة بتجريم هذا السلوك ومعاقبة الجانية بموجب نصوص القانون الجنائي علي أي حال”.
وفي هذا السياق، ابتدر حزب المؤتمر السوداني نقاشاً رسمياً لوضع تدابير تشريعية لمواجهة داء العنصرية، حيث سلّم وفد من الحزب ضم مواهب مجذوب نائبة الأمين السياسي، وكمال محمد الامين، رئيس القطاع القانوني، سلّم المسودة الأولية لمشروع قانون القضاء على التمييز العنصري لوزير العدل د. نصر الدين عبد الباري، كما سلم الحزب نسخة من المسودة للجنة القانونية لقوى الحرية و التغيير.
ووفقاً لتصريح رئيس القطاع القانوني لحزب المؤتمر السوداني، كمال محمد الأمين، إن هذا المشروع يجيء في إطار الجهد المؤسسي الذي يبذله حزب المؤتمر السوداني من أجل المساهمة في وضع حلول جذرية للإشكاليات التي أعاقت مسيرة بناءنا الوطني، وتأتي قضية العنصرية وغياب القبول المتبادل بين مكونات البلاد وانتشار خطابات الكراهية، كمحفزات أدت لإشعال نار الحروب الأهلية في البلاد ومشاريع الإبادة التي مزقت بلادنا وقسمتها “.
ويضيف الأمين: ” إن استئصال العنصرية في بلادنا يحتاج لعمل مؤسسي ضخم سواءً كان على المستوى الاجتماعي أو الثقافي أو السياسي، وتسهم التشريعات القانونية المتشددة التي تجرم هذا السلوك، وفاءً لما عبرت عنه ثورة ديسمبر المجيدة من قيم ومُثُل يجب أن تشكل قطيعة مع ميراث الماضي الوطني البغيض “.
ويهدف القانون الذي قدمه المؤتمر السوداني إلى القضاء علي كافة أشكال التمييز العنصري ومظاهره حماية لكرامة الذات البشرية وتحقيقاً للمساواة بين الأفراد في التمتع بالحقوق وأداء الواجبات، وفقاً لأحكام الدستور والمعاهدات الدولية المصادق عليها من قبل جمهورية السودان، كما ينظم القانون الإجراءات والأليات والتدابير الكفيلة بالوقاية من جميع أشكال ومظاهر التمييز العنصري وحماية ضحاياه وزجر مرتكبيه، ويحظر القانون المقترح على الكافة ممارسة أى شكل من أشكال التمييز العنصري، ويعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز عشر سنوات من يرتكب جريمة التمييز العنصري، وكذلك يعد القانون مرتكباً جريمة الإساءة العنصرية كل شخص يحط من قدر إنسان آخر بالقول أو الفعل، مستنداً على اللون أو العرق أو القبيلة أو الدين ويعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز خمس سنوات.
ويقترح القانون حظر انشاء أو تمويل أو الانضمام إلى المنظمات والأحزاب أو الجمعيات التي تؤسس على أساس عنصري أو تتبنى خطاب الكراهية أو تروج لها، ويعتبر القانون جميع التنظيمات القائمة على الأفكار أو النظريات القائلة بتفوق أي عرق أو أية جماعة من لون أو أصل إثني واحد، أو التي تحاول تبرير أو تعزيز أي شكل من أشكال الكراهية العنصرية والتمييز العنصري، مخالفة لأحكام هذا القانون، وأن يعاقب مرتكبها بالسجن مدة لا تتجاوز عشر سنوات، وتحل المحكمة في كل الأحوال المنظمة أو الحزب وتصادر ممتلكاتها مع جواز مصادرة وسيلة التعبير أو الحكم بالغرامة.
وجوّز القانون للأشخاص والمنظمات والأحزاب تبني قضايا الجماعات التى تعاني من التمييز العنصري والدعوة إلى الإنصاف وانهاء التمييز العنصري أو التهميش الشخصي أو القومى أو المناطقى .
واقترح القانون في الباب الثالث أن تتبنى الدولة وتضع سياسات فعالة، تعليمية وثقافية و قانونية واقتصادية وخلافها، للقضاء على التمييز العنصري ومكافحة خطاب الكراهية، وأن تنشأ بموجب أحكام هذا القانون اللجنة الوطنية للقضاء على التمييز العنصري وتختص باقتراح السياسات العامة والخطط والتدابير اللازمة للقضاء على التمييز العنصري و مكافحة خطاب الكراهية، وكذلك اقتراح السياسات والتدابير الاقتصادية والاجتماعية اللازمة لنماء المجموعات العرقية أو الأفراد التابعين لها لضمان تمتعهم على قدم المساواة بالكرامة و الحقوق و الحريات، على أن تقوم اللجنة بتقييم ومتابعة الوضع بالبلاد فيما يتعلق بمكافحة العنصرية وخطاب الكراهية و تقديم تقرير سنوي للبرلمان و الحكومة التنفيذية.
وتعليقاً على مشروع القانون الذي قدمه المؤتمر السوداني يقول الباحث والمحلل السياسي محمد التجاني، إن خطوة اشتغال الأحزاب على هذه القضية يعتبر جهد ممتاز ومطلوب، وأضاف التجاني لـ”الجريدة” أن قضية العنصرية قديمة جداً في المجتمع السوداني، مضيفاً أنها من متبقيات عهد الرق، ويشير التجاني إلى إلغاء الرق الذي تم بمنشور من الحاكم العام في العام 1900 بعد القضاء على الدولة المهدية، ويرى أن الأرقاء المحررين ظلوا يعانون من تهميش واستبعاد ممنهج في فترة ما قبل الاستقلال، ويؤكد التجاني أن هذا الأمر جذوره موجوده في اللاوعي السوداني، ويشير التجاني إلى التمييز الذي تتبناه الدولة لصالح متحدثي اللغة العربية على ما سواهم من غير المتحدثين بها.
ويثني محمد التجاني على ما قدمه المؤتمر السوداني في بعض الجوانب، ويصفه بأنه جهد ايجابي ينبغي تعضيده من قبل الجميع، حتى يجاز القانون الذي تحتاجه البلاد، خاصة فيما يتعلق بالإساءة للأشخاص بسبب اللون أو العرق أو القبيلة، ويجب تقرر عقوبات رادعة وقاسية، بلا تهاون اطلاقاً، وفيما يتعلق بموضوع رعاية الحقوق المدنية لبعض الأقوام السودانية التي تعرضت لعنصرية ولحروب، يرى التجاني أن الدولة مطالبة برعاية لغات هؤلاء وثقافاتهم بشكل متساوي مع غيرهم .
ووفقاً لحديث التجاني فإن مشروع القانون تحدث عن الحق في المساواة أمام القانون ودخول الأماكن العامة، وهي اشياء ليست موجودة، وأن ما يمنعك في السودان من دخول بعض الأماكن، هو العامل الاقتصادي وليس لونك أو قبيلتك، ويعتقد التجاني بأن هذه زيادة في القانون لسنا بحاجة إليها، كما ورد أيضاً حق الزواج، وهو ما يجب أن يعالج في قانون الاحوال الشخصية، بأن تعطى المرأة الولاية، ويُنص على أن المرأة ولية نفسها في الزواج، وإذا فُتح الباب أمام الزواج المدني وأعطيت المرأة الحرية بأن تتزوج من تشاء أمام المحكمة، نكون بذلك قد تجاوزنا الأطر الاجتماعية الموروثة من فترة ما بعد الرق في المجتمع السوداني.
ويقول القيادي في الجبهة الثورية وأمين الاعلام والناطق الرسمي لحركة تحرير السودان_المجلس الانتقالي، محمدين محمد اسحق بأن التمييز العنصري يعتبر من القضايا المسكوت عنها في السودان، ويضيف في تصريح لـ”الجريدة” أن العنصرية هي أحد الأسباب الأساسية لقيام الحروب وعدم الاستقرار في البلاد، وبالتالي وُضعت مسألة مكافحة العنصرية في مفاوضات السلام في جوبا من ضمن القضايا القومية، حيث تم الاتفاق على سن القوانين واصدار التشريعات الصارمة التي تجرم كل أنواع العنصرية، وأن تقوم الدولة بتبني سياسات واضحة لمكافحة كل أشكال النزعات العنصرية والتمييز ومظاهر الاستعلاء الاثني، وأن هذه السياسات الواجب اتباعها تكون من خلال المناهج التعليمية والاعلام.
ويضرب محمدين مثلاً بالتعليم والمناهج في السودان، ويقول بأنها تكرس لمسألة التمييز العنصري، ويضيف أن قصائد المتنبي التي تدرس للطلاب على أنها نوعٌ من الأدب العربي الرفيع، هي في حقيقتها تكرس للاستعلاء المبني على اللون والعرق، وكذلك الزبير باشا الذي يُمجد ويُقدم كبطل قومي، هو في حقيقته تاجر رقيق، ويشير محمدين كمثال لذلك، الشارع المسمى باسمه وسط العاصمة القومية، ويرى بأن الدولة عليها القيام بخطوات عملية فورية في هذا الاتجاه، وتغيير اسم شارع الزبير باشا إلى أي اسم آخر، ويؤكد محمدين أن هذه أمور لا تحتاج إلى قوانين وتشريعات، بل تحتاج إلى إرادة سياسية، مثلما فعلت الحكومة بتغيير بعض الأسماء المرتبطة بالعهد البائد.
يقول محمدين اسحاق بأن الاعلام الرسمي نفسه يكرس للتمييز العنصري والاستعلاء الاثني، وذلك من خلال تركيزه على استضافة وبث مواد ذات علاقة بالثقافة الأحادية السائدة في البلاد، بالرغم من أن السودان بلد متعدد الثقافات والحضارات والإثنيات، ويختم محمدين قائلاً: “هذه السياسات يجب أن تتغير لصالح دولة قائمة على احترام التعددية الاثنية والثقافية”.
ويصف الأمين السياسي لحملة سودان المستقبل الدكتور محمد علي تورشين جوهر مشروع القانون الذي قدمته المؤتمر السوداني بأنه ممتاز، لكنه يضيف في تصريح لـ”الجريدة” بأن العنصرية مسألة شائكة ومعقدة جداً، ومرتبطة ارتباط وثيق بالتربية والتنشئة الاجتماعية، وأن الطفل في مراحله الأولى، يتغذى بالعنصرية من خلال تعامل وسلوك الأسرة، ويتطور هذا السلوك إلى أن يكون محمي بأجهزة الدولة، وأن العنصرية بالرغم من الحديث عن محاربتها في الدستور الانتقالي 2005م إلا أنها ظلت موجودة، ويقول تورشين إن من أكبر أشكال العنصرية، هي احتكار بعض مؤسسات الدولة لفئات معينة، تدّعي أنها صاحبة النقاء العرقي والحقوق التاريخية أو ما يسمى بأبناء البلد، وهذه المسألة محاربتها ليست في سن القوانين فقط، وإنما في تغيير نمط التنشئة الاجتماعية، عبر بث مواد تثقيفية لكل فئات المجتمع، وكذلك اتاحة الوظائف لكل السودانيين بعد إعادة هيكلة المؤسسات الموجودة، بما يعكس التنوع والتوازن المطلوب، وفتح الباب لكل السودانيين عن طريق منافسة حرة ونزيهة بما في ذلك الوظائف العليا.
ويقول الصحفي المقيم في القاهرة، ضحية سرير توتو، بأنّ هناك أهمية قصوى لقانون يجرم ممارسة العنصرية، ويضيف في تصريح لـ”الجريدة” بأنه لابد أن يكون هذا القانون رادع لا تهاون فيه، ويقر توتو بأن السودان يوجد به عنصرية وعنصرية مضادة، وأن هذه الظاهرة الكريهة لن تذهب إلا بقانون رادع لا يستثنى فيه أحد، ويؤكد ضحية توتو بأن العنصرية في السودان منتشرة وسط قطاع كبير من الناس، عاديين كانوا أم مثقفين على حد سواء، بل تكاد تمشي وسطنا برجليها من وضوح مظاهرها، في التمييز على أساس اللون أو العرق أو الدين، وأن هناك كلمات تستخدم بصورة كثيفة مثل “عبد” و “فرخ” و “جلابة” و “حلب” وغيرها من المصطلحات.
ووبحسب صحيفة الجريدة، يضف توتو مشروع قانون مكافحة العنصرية الذي قدمه حزب المؤتمر السوداني بأنه جيد إلى حد كبير، ويمكن أن يكون نواة لقانون فيه اكثر صرامة.
وعلى خلاف هذه الآراء، يؤكد الناشط السياسي عبدالرحمن عمسيب بأن السودان ليس فيه تمييز ممنهج، أي أن القانون لا يميز ولا يقصي أحد على أساس لونه أو قبيلته، لكن الممارسات العنصرية تحدث بطريقة أو بأخرى، في كل السودان، وأن الأمر لا يحتاج لقانون، بل يحتاج لمكاشفة ومصارحة بين المكونات السودانية، ويسجل عمسيب اعتراضاً على نقاط في القانون، خاصة تلك التي تسمح بتكوين مجموعات أو أحزاب تتبنى قضايا الجماعات التي تعاني من التمييز العنصري، ويرى بأنه في حال إقرار قانون يكافح التمييز العنصري ينبغي أن تقوم جماعات أو أحزاب تتبنى قضايا مجموعات محددة.
الخرطوم(كوش نيوز)