غير مصنف --

أحمد يوسف التاي يكتب: أمس واليوم

في العام 1996 شنت القوات اليوغندية هجوماً على السودان فيما عرُف إعلامياً بعملية “الأمطار الغزيرة”، وكانت التعبئة وسط طلاب الجامعات والدفاع الشعبي على أشدها، في تلك الأثناء كان طلاب جامعة القرآن الكريم متجمعين في ساحة البرلمان الخارجية بعد افطار رمضاني لو لم تخني الذاكرة وكانوا يومها في وداع إخوانهم المتجهين إلى مناطق العمليات وكان الحماس عاليا وهم يرتجزون: ( دم موسفيني يا البشير مابكفيني يا البشير… الخ…) وقتها كنت متجهاً نحو الخرطوم فاستوقفني المشهد والفضول الصحفي فنزلت وكنت صحفياً مبتدئاً في ذلك الوقت..سألت أحدهم: انتو طلاب أي جامعة؟ والاحتفال دا بمناسبة شنو؟ … فجاءني الرد غاضباً : إنت بتسأل ليه؟وعايز شنو؟ ومين الجهة الأرسلتك هنا؟ قلتُ أنا صحفي… لم يعر كلامي أي اهتمام وفي الحال نادى احد زملائه تعال ياخالد…أمسك دا جاسوس (احمر) قبضناه احلق ليهو طوالي وكانت في ذلك الوقت حساسية الجبهجية عالية تجاه الشيوعيين، في تلك الأثناء نسيت الصحافة والخبر وكان كل همي الخروج من هذه الورطة والموت تحت اقدام هؤلاء (الانكشارية)، وذلك من كثرة الإرهاب الذي تعرضتُ له…
بعد عامين من تلك الحادثة تقريباً وكانت الحرب مع اريتريا على أشدها، اصطحبتُ معي الزميل علي شمو إبراهيم الصحفي والشاعر المعروف هو صحفي متخصص في إعداد الصفحات الفنية ولايعرف الكثير عن السياسة ولايخوض فيها، اصطحبته معي لاجراء تحقيق صحافي بالسلاح الطبي، وبعد نهاية المهمة ألقى أفراد في زي مدني القبض علينا منذ الثامنة صباحاً ولم يطلق سراحنا الا بعد الواحدة والنصف صباح اليوم التالي، واثناء التحريات التي أجريت معنا اكثر من اربعة مرات كانوا يوجهون لنا تهمة واحدة وهي التجسس، وكانوا يتعاملون معنا على اساس اننا جواسيس ارتريين ويريدوننا أن نعترف بأننا جواسيس اريتريين وخلاص، وكانت العبارة القاسية علينا: (اعترفوا أنكم جواسيس ارتريين الانكار لايفيدكم)..
في التسعينات كان المُتزلفون لـ (الجبهجية) والوصوليون والنفعيون والانتهازيون الذين أطالوا عمر نظام البشير المستبد، كانوا بارعين في شيطنة الشيوعيين، واليسار عموماً والهجوم عليهم ليتقربوا بذلك إلى نظام الجبهة وكان هذا الصنف أشد وطأةً على على اليسار من نظام الجبهة في سبيل نيل رضاء الحكومة الجديدة وإيجاد موطيء قدم فيها فيها…
الآن تبودلت المواقع وغيَّر ذات الصنف جلده واستبدل لفظ الشيوعيين بـ (الكيزان) كفزاعة للخصوم والمنافسين، وكجِسْرٍ للعبور إلى قوى التغيير دون أن يكون لهم رصيد نضالي، كان هؤلاء اشد وطأةً على الاسلاميين من قوى الحرية والتغيير التي انتهجت نهجاً متساهلاً مع رموز النظام المخلوع وكوادره الا ماتقتضيه الاجراءات الاحترازية والقانونية، بينما المتزلفون كانوا ملوكاً أكثر من الملك في (ردم الكيزان وبلَّهم) ليكون ذلك جواز المرور الى الحكومة الجديدة…
أعود وأقول إن المتزلفون يلبسون لكل مرحلة لبوسها ويحفظون شفرتها فإن اقتضت الضرورة “يشيعنونك” أو “يُكوزنونك”، “يُأترنونك” أو”يصوملونك” حسب مقتضى الحال، ظنا منهم أن الامر هو كلمة المرور لاختراق الصفوف، لكن قطعاً الدفاع عن الثورة وحمايتها ليس بالمبالغة في شتم انصار النظام المخلوع وإيذاء الابرياء منهم وإلصاق التُهم دونما تثبُت ولابقزفهم بماليس فيهم بطريقة التعميم الظالمة (كل الاسلاميين)، ولكن مناصرة الثورة هي الإجتهاد في تقديم الوثائق والإسهام والمساعدة في تقديم البيِّنات ضد الفاسدين الذين نهبوا وسرقوا وقتلوا وشردوا، وذلك اتساقاً مع دولة القانون وشعارات الثورة، كما أن مناصرة الثورة تكون بالنصح والتوجيه لابالتطبيل، فنحن لانريد أن نخلق من الحكام دكتاتوريين وطغاة ونزيِّن لهم الباطل ليرونه حسناً بكثرة المدح ومسح الجوخ بل نريد نقداً بناءً ، وتقويماً للأداء، ومن يحرقون البخور ويضربون الطبول للحكام إنما يفعلونه لأنفسهم من أجل التقرب من المواقع والمناصب، ولن ينفعوا به حكومة الثورة في شيء بل يضُرونها ضرراً بليغاً…..اللهم هذا قسمي فيما أملك..
ضع نفسك دائما في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق انه يراك في كل حين.

صحيفة الانتباهة

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى