(1)
انتهت القطبية الثنائية (أمريكا والاتحاد السوفيتي) بنهاية الحرب الباردة 1990
التي كانت نتيجتها ان أصبح الاتحاد السوفيتي في خبر كان. وكان المأمول ان يرجع العالم الى التعددية القطبية التي كانت سائدة قبل نهاية الحرب العالمية الثانية أي بمعنى ان تكون هناك عدة قوى عظمى تقف على رأس النظام العالمي، كذلك كان المتوقع أن يكون الاقتصاد هو معيار التفوق العالمي وليس السلاح إذ كان يجب ان
تتلاشى الأحلاف العسكرية (وارسو والناتو) لكن الولايات المتحدة وبتخطيط ذكي عملت من أجل أحادية قطبية تنفرد هي بها وقد ساعدها صدام حسين بمغامرة غزو الكويت إذ جعل أمريكا تبقي على حلف الناتو حيث كان ينبغي أن يذهب بذهاب حلف وارسو كما نادت بذلك بعض الأصوات الأوربية , المهم بعد ان أصبحت الولايات المتحدة القوة العالمية الكاسحة Hyper- power وضعت أساليب متعددة لإدارة
هذه السيطرة تتناسب مع أوضاع الدول المختلفة أي كيف تتعامل مع الدول القوية ومع الدول متوسطة القوة ومع الضعيفة ليكون الهدف النهائي أن يعيش العالم عهد الإملاء والسيطرة الأمريكية ( Paxa-Americna ) لأطول فترة ممكنة.
(2)
السودان نتيجة لاستبداد وطغيان وعدم إدارك وسوء فهم الحكومة السابقة للعبة
الدولية دخل برجليه في عام 1993 في التصنيف الأمريكي للدول المزعجة مع أفغانستان والعراق وإيران وسوريا وليبيا وكوبا وكوريا الشمالية
وأهمية (قبقبة) هذه الدول اي الإبقاء عليها تحت السيطرة الأمريكية تنبع من أنها تهدد السلم العالمي مما سيؤدي الى فوضى قد تهدد السيطرة الأمريكية على العالم (الباكسا -أمريكانا) فوضعتها في قائمة ابتدعها وأسمتها الدول الراعية للإرهاب، ومارست عليها صنوفا من السياسات للإبقاء عليها تحت السيطرة، أما مقابلة الدول المستضعفة للسياسة الأمريكية فقد كانت متباينة فالعراق وافغانستان اضطرتا أمريكا للدخول في حرب مباشرة فكانت فاتورتهما عالية جدا بالنسبة لها . أما كوبا فقد تم إخضاعها بتنازلات أمريكية في عهد اوباما . كوريا الشمالية وإيران مازالتا في حالة ملاواة أي صراع مع أمريكا ومازالت فاتورتهما العالية مفتوحة، أما ليبيا والسودان فقد مارست أمريكا معهما سياسة العين الحمراء والسيطرة بالريموت كنترول، فسلم القذافي كل المطلوب منه من سلاح كيميائي حقيقة كان ذلك السلاح أم مجرد عدة –بكسر العين – ودفع دم قلب بلاده في حادثة لوكربي ثم ذهب في النهاية بخازوق ولكن ليبيا بقيت ثغرة في جدار السيطرة الأمريكية، حيث قام حفتر الموالي لحلفاء امريكا في المنطقة باستدعاء المرتزقة الروس فأفزع
ذلك الولايات المتحدة فشجعت تركيا على التدخل المباشر وغير المسبوق فأعادت التوازن، حيث تمكنت حكومة الوفاق الوطني التي يرأسها فائز السراج أمس الأول (الخميس) من استعادة كامل العاصمة طرابلس ثم دكت قيادة حفتر في ترهونة أمس (الجمعة) ولكن مازال الوضع في ليبيا مفتوحا على عدة اتجاهات.
(3)
أها نجي لحبيبنا –بكسر الحاء- السودان فالتعاون الذي وجدته أمريكا من السودانيين في تسهيل سيطرتها عليه لم تجده في الدول الأخرى فالمعارضة السابقة –الحاكمة الآن – أدارت الصراع مع حكومة وطنها تحت مظلة الأهداف الأمريكية وقدمت لها في ذلك خدمات فوق التصور. الأمر الذي اضطر الحكومة السابقة الى رمي راية التحدي (امريكا روسيا قد دنا عذابها ) ودخلت في سباق مع المعارضة للخضوع
لأمريكا وقدمت لها خدمات ما كانت تحلم بها (الحديث عما قدمته المعارضة
السابقة والحكومة السابقة لأمريكا يطول ويمكن ان نعود له في مقال آخر) وبهذا
تكون أمريكا احتوت السودانيين حكومة ومعارضة احتواء مزودجا وهاك يا أوامر وهاك يا إبعاد لخشبات المرمى كلما اقترب السودان منه .فاستمرت هذه السياسة الابتزازية حتى سقوط الحكومة السابقة ووصول المعارضة للحكم لا بل الأمر مرشح للاستمرار حتى ولو جاءت حكومة ثالثة فكيف لأمريكا ان تفرط في بضاعة مجانية وفي سيطرة بدون اي تكلفة ؟ لهذا ظلت أمريكا تصدر في الأوامر للسودان واحدا تلو الآخر وكلما تم التنفيذ طالبت بالمزيد لدرجة اضطرت الحكومة لجمع الدولارات لها من برندات السوق العربي ليصل سعره لأرقام فلكية ويلحق الجنيه السوداني أمات طه لا بل لدرجة إدخاله في (الفتيل) الاسرائيلي ومازال الحبل على
الجرار ومازالت أمريكا تخلف رجل على رجل وهي مستمتعة بهذه السيطرة
المجانية ولكن بانتباه عالٍ حتى لا يسقط السودان في المصير الليبي ويهدد فاتورتها المجانية.
(4 )
إن ما تمارسه أمريكا من سيطرة على السودان عن طريق التلويح –سيظل مجرد تلويح- بالجزرة والضرب بالعصا وبواسطة أبنائه وشيء من القوى الإقليمية والمؤسسات الدولية الخاضعة تماما للسيطرة الأمريكية , سوف يدخل علم العلاقات الدولية كأنموذج لكيفية الحفاظ على الهيمنة على العالم بتطبيق سياسة (زيرو-تكلفة) على الدول الضعيفة إلا قل لي بربك من كان يصدق ان يطبق السودان أحكام القضاء الأمريكي في حادثتي المدمرة كول والسفارتين ؟ أين الحصانة السيادية في
مواجهة قضاء الدول الأخرى ؟ بل أين القانون الدولي ذات نفسه ؟ ومن أعطى
أمريكا الحق لتطبيق ما في لائحة أحادية خاصة بها أسمتها الدول الراعية للإرهاب على دول ذات سيادة ؟ انه حكم القوي على الضعيف ليس إلا . والذي ما كان سيحدث لولا تعاون أبناء ذلك البلد الضعيف حكومة ومعارضة مع المارد العالمي. و(بالمناسبة طريق المؤتمر الوطني المحلول سالك تجاه أمريكا ), مش كدا وبس بل أن السودان الآن لم يعد هدفا ساميا للسيطرة الأمريكية فحسب بل أصبح فأر
معمل بالنسبة لها لتجري عليه تجارب السيطرة المجانية ، فأمريكا عينها على دول تئن خزائنها بالأموال عليه يمكن الوصول الى نتيجة إلى ان السياسة الأمريكية الحالية تجاه السودان والقائمة على ركيزتين هما التلويح والضرب سوف تستمر لأن أمرها لم يعد يخص السودان وحده، فالسودان أصبح مجرد حقل تجريبي .
فياجماعة الخير الشغلانة ليس قوة أمريكا انما هي ضعف وانقسام أبناء السودان وهذا ما تراهن عليه أمريكا وهو رهان مضمون بالنسبة لها لأنها امتلكت بعض أسباب ذلك الضعف والانقسام وسيظل هذا الأمر قائما الى أن يتحدث متغير عالمي كبير أو اقليمي قوي أما محلي فامسكوا الصبر بس طالما ان أبناء السودان غرقانين
في شبر مويه ولا يجيدون إلا شيطنة بعضهم البعض ولا ينظرون أبعد من أرنبة أنوفهم ……. أين انتي كورونا ؟ وأبكرونا قال ما تجونا . الله لا كسبك ولا غزا فيك بركة طلعتي أي كلام.
صحيفة السوداني