غير مصنف --

طة النعمان يكتب: أي علمانية تطلب.. يا كومريد؟!

الأخ القائد
الأستاذ عبد العزيز الحلو.. حياك الله و ابقاك..
* أود ابتداءً أن أشير إلى أنك لابد تعلم بحكم اطلاعك الواسع وتجربتك السياسية الذاخرة والممتدة أنه لا توجد صيغة واحدة “صمدية” يحتويها كتاب واحد متفق عليه ( كمرجع أساسي) لما يسمى ب “العلمانية”.. إنما العلمانية طيف واسع من التنظيرات الفكرية والتجارب السياسية في أنحاء شتى من العالم، و في مراحل تاريخية مختلفة أيضاً.. يجمعها على الأغلب، وإن اختلفت تطبيقاتها، مبدأ الفصل بين (الدين والدولة) في بعض صيغها، أو الفصل بين ( الدين و السياسة) في صيغ أخرى..
* كما تتفاوت مواقف العلمانيين أنفسهم بعداً ورفضاً للدين أو قرباً واعترافاََ بدوره في الحياة العامة وليس السياسة ، ما دام الدولة تحكم جماعات من المؤمنين، بأديان سماوية أو بكريم معقدات.. كما هو في حالتنا.. يعني بكلمات أخرى العلمانية (علمانيات) هناك من يطرحها على مستوى (الدولة) ككل وهناك من يطرحها على مستوى حماية (السياسة) ، إنطلاقاً من تعريف الدولة ذاتها.. فالدولة كيان أكبر وأعلى من الحكومات و الأحزاب السياسية، و تشمل الأرض والشعب أو الشعوب التي تعيش في أطارها وتشمل الموارد و كل مقومات الأمن القومي.. مما يجعل حرية الناس في اختيار أديانهم و ما يتعبدون به ضمن الحريات الأساسية ومنها (حرية العقيدة) التي تدخل في جوهر النظام والمجتمع الديمقراطي، وعلى الدولة و الحكومة الديمقراطية حمايتها ورعاية معتنقيها كإحدي تعبيرات بل واجبات النظام الديمقراطي الحقيقي؛ باحترام شعائرهم وطقوسهم و عاداتهم في الزواج والمآتم والأعياد.. إلخ، بغض النظر إلى أي دين سماوي أو معتقد كريم انتموا.
* ما راج عنكم هنا ومنذ بدء محادثات السلام في جوبا أنكم تطالبون ب (دولة علمانية) دون أي تعريف أو توصيف لأبعاد و نوع العلمانية التي ترغبون فيها.. وأعتقد أنكم ترغبون في نوع من العلمانية بالمواصفات التي حددتها “مقررات أسمرا للقضايا المصرية” التي خلص أليها التجمع الوطني الديمقراطي عام 1995، وكنتم شركاء في إقرارها عبر الحركة الشعبية الموحدة من أجل بناء سودان جديد.. وكما تعلم فإن ذلك المؤتمر و نشدانا للوحدة الوطنية قد اختار صيغة من العلمانية أكثر َ مرونة و استجابة لحقائق الواقع العيني للبلاد.. اختار صيغة فصل الدين (عن السياسة) و ليس (عن الدولة).. بحيث يتم منع التأثيرات الضارة لاقحام الدين في السياسة واستغلال الدين نفسه لأغراض انتهازية تفسد قيمه الفاضلة ومكارم الأخلاق التي يدعو إليها في حرية وتسامح.
* دعوتكم “للدولة العلمانية” هكذا على الاطلاق، دون توضيح لحقيقة محتواها ومآلاتها، فتحت الباب واسعاً لقوى “الثورة المضادة” و منحتها كرتاً رابحاً، لم تكن تحلم به، للدعاية السوداء من أجل شيطنة العلمانية من حيث هي، والتعامل معها باعتبارها نظرية “للكفر والالحاد والفسق و الفجور”.. وهي دعاية ذات تأثير سحري على عموم الناس البسطاء الذين يشكلون الأغلبية، في مجتمعنا، وليس المتعلمين المسيسين أو المثقفين، الذين هم القلة،كما تعلم، مما يفتح الباب واسعاً لحركة مناهضة للثورة وللتغيير الذي لم يكتمل ويأخذ مداه بعد.. ومرة أخرى – للأسف-بالشعارات الدينية المكذوبة وتحت راياته “المزيفة”.
* من جانب آخر، و لأغراض السلام و حماية الثورة والمرحلة الانتقالية، فإن طرحكم (الدولة العلمانية) على هذا النحو الأحادى الغامض أو بالعدم القبول بحق (تقرير المصير) لمناطق الحرب.. وليس خيار (فصل الدين عن السياسة) فحسب ، لن يجد قبولاً كافياً من العديد من القوى السياسية، حتى تلك التي كانت ضمن قوي مقررات أسمرا- وبعضها ذو مرجعية دينية تاريخية كما تعلم – كما سيفتح الباب واسعاً أمام القوى المتربصة – وما أكثرها في أجهزة الدولة العميقة- لاجهاض عملية السلام الجارية، وهو في النهاية إجهاض للمرحلة الانتقالية بالكامل وردة على الثورة التي أطاحت أعتى وأطول ديكتاتورية عسكرية- دينية في تاريخ السودان.. وستكون تلك كارثة ومصيبة جديدة تعيد بلادنا- التي لم تعرف الراحة منذ استقلالها- إلى حظيرة الأزمة القديمة والمتطاولة .. و يكون يا صديقي أبوزيد لا غزا ولا شاف الغزل !!

# للمزيد حول الموضوع يمكنكم الاطلاع على مقالي في ( اضاءة الأحد 3 يونيو) على صفحتي بالفيسبوك تحت اسم : Taha Alnuman أو بموقع جريدة “آخر لحظة” بذات التاريخ تحت عنوان (العلمانية.. خشم بيوت!)

صحيفة أخر لحظة

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى