السودان اليوم:
كان لدي إحساس قوي بأن بعض اعضاء لجنة التفكيك هم الذين كانوا وراء حبس الكاتب الصحافي الطيب مصطفى، وحرمانه من حقه في الخروج من الحراسة بالضمانة العادية، واستغلوا نفوذهم انتصاراً لذواتهم، وقد أشرتُ في مقالي السابق إلى هذه النقطة، ولكن بعد تصريحات عضو اللجنة صلاح مناع لصحيفة الشرق الأوسط تحوّل شعوري ذاك إلى قناعة راسخة بأننا أمام رجال يوظفون القانون لضرب خصومهم ويستغلون سلطاتهم ونفوذهم ،خاصة بعد عبارة مناع لذات الصحيفة:(سنطبق فيه القانون لو السما انطبق على الارض)، فرجل الدولة الباحث عن الحق وتطبيق القانون لايحتاج إلى هذا القول..
دعونا من كل ذلك ولنأتي إلى مقال الطيب مصطفى الذي بسببه ألقت الشرطة عليه القبض من منزله وتم إيداعه الحبس ورُفضت له الضمانة بعد تصديقها بحجة أن هناك بلاغات أخرى تستوجب التحري معه فيها…
دعونا نتناول النقاط المخالفة للقانون في المقال بعيداً عن لغة السياسة والمرارات طالما أن صلاح مناع أخبرنا عبر تصريحاته أن القبض على الطيب تم بسبب هذا المقال…
قرأتُ المقال مرات عديدة لكي اتبين العبارات المُخالفة والتي يعاقب عليها القانون، وبالطبع أنا اخالف الطيب مصطفى الرأي في كثير مما ورد بمقاله، لكن دعونا نقف على المخالفات القانونية، وأرى أن العبارات التي تشكل مخالفة في المقال هي عبارات : (الرويبضة، القزم )، (الأقزام الذي تضمهم لجنة التمكين)، (الكاش بقلل النقاش)..
بالإضافة إلى إشارات الكاتب لمعاملات مالية جمعت بين مناع ورموز نظام (الانقاذ)، لكن الغريبة أن المقالات التي استشهد بها الطيب في هذه الجزئية لم يُساءل كاتبوها وهي سبقت مقال الطيب، كما أن المواقع التي أوردت مقال الطيب نفسه لم تتم مُساءلتها وفقاً للقانون، وانما اقتصر الامر على الكاتب الطيب مصطفى وحده دونما سواه..
وحتى ما اورده الكاتب بشأن ما أسماهم (الدبابين والمجاهدين) ليس فيه دعوة صريحة لمحاربة الدولة وإن كانت الاشارة تحتمل استنتاج ذلك على نحو بعيد ، وما أورده كذلك من مطالبة بإزاحة من اسماهم الفاشلين فليس في ذلك تحريض للتمرد والحرب ضد الدولة حتى يُتهم فيها بتقويض النظام الدستوري، فالمطالبة بإزاحة الفاشلين من اي حكومة لا يعني العمل على تقويض النظام الدستوري، ولايعد ذلك مخالفة للقانون، خاصة وان الخطاب كان موجها لرئيس المجلس السيادي، وقبل هذا طالب كاتب صحفي مشهور الحزب الشيوعي باسقاط حكومة حمدوك وتكوين أخرى بديلة، وعشرات الكتاب الصحافيين والسياسيين كانوا يطالبون بإزاحة حكومة حمدوك واستبدالها بأخرى فليس في الأمر مخالفة للقانون.
أعود وأقول أن مقال الطيب مصطفى موضع الاتهام وإن كنا نختلف معه في أسلوبه وعباراته الجارحة والمسيئة، لايرقى إلى هذه الإجراءات التعسفية من اعتقال وحبس وتعطيل لإجراءات الضمانة..
نحنُ لاندافع عن الطيب مصطفى ولكننا بالطبع ندافع عن قيّم العدالة والحريات التي لاتُجزأ، ولاندافع عن الطيب مصطفى الذي هاجمنا مرات عديدة في مقالاته واختلف معنا واختلفنا معه مراراً حتى عندما كنا نعمل بصحيفته ، ولكننا ندافع عن مباديء لن نحيد عنها ولن نميل إلى سواها، ولن نقبل الظلم حتى لألدّ أعدائنا…
سنظل نردد أن الإجراء الطبيعي في مواجهة مقال الطيب مصطفى سواءً تم وفقاً لقانون جرائم المعلوماتية، أو قانون الصحافة والمطبوعات، هو أن يفتح صلاح مناع أو وجدي صالح او أعضاء اللجنة مجتمعين بلاغاً وفقاً لأي من القانونيْن أعلاه ، والنيابة بدورها تستدعي الكاتب الطيب مصطفى ويتم التحري معه ويطلق سراحه بالضمان العادي وفقاً للقانون إلى حين إنعقاد المحكمة..
مشكلة الطيب مصطفى التي جعلته في هذا الوضع الآن مُتهماً، ليست هذا المقال وحده ، فمقالاته الهائجة التي ظلت تفور وتغلي وتمور وتنضح بالإساءات والتجريح منذ سقوط نظام البشير هي التي استعدت عليه ناس مناع وغيره، وانا على المستوى الشخصي لايعجبني هذا الأسلوب في الكتابة، لكن لكل كاتب اسلوبه وطريقته في الكتابة…
مناع قال للشرق الاوسط: (ان سبب القبض على الطيب مصطفى هو كتابته مقال أهان فيه الدولة).. والطيب مصطفى نفسه ألقت الشرطة القبض عليه وتحرت معه نيابة الاراضي في العام 2014 واتهمته بنشر اسرار (الدولة) على الرغم من أنه ليس رئيس تحرير وليس مسؤولا عن النشر ، وذلك لما نشرت صحيفته الصيحة وثائق تؤكد استحواذ وكيل وزارة العدل ، مدير الاراضي، ومدير المساحة آنذاك على قطع أراضي على نحو فيه شبهة فساد واستغلال للنفوذ، حيث جعلوا تلك الوثائق التي كشفت الفساد هى (اسرار دولة)،مثلما قال مناع ان سبب القبض على الطيب انه كتب مقالا اهان من خلاله الدولة، وهو يقصد (أهانني) فيه، مثلما سمَّى (جماعة الهبرو ملو) الوثائق التي كشفت فسادهم (اسرار دولة) وارادوا القبض على الطيب وبقية الصحافيين لانهم نشروا (اسرار الدولة) بدلا عن التحقيق في صحة الوثائق ،فما اشبه الليلة بالبارحة ..
الآن مناع الذي هاجمه الطيب مصطفى في المقال واتهمه بشبهة معاملات مالية مع رجال النظام المخلوع، وهي معاملات تتحدث عنها وثائق متداولة الآن عبر مواقع التواصل الاجتماعي ولا أدري ما صحتها، ولم يكن الطيب الا واحدٌ من الذين أشاروا إليها، وبكل تأكيد فإن إلقاء القبض على كاتب صحفي و(ردمه) بكل تلك التهم لايبريء صلاح مناع من تهمة المعاملات المشبوهة مع رجالات (الانقاذ)، ولن يوقف الصحافيين من تناول هذه القضية إلا يثبت لهم العكس، لكن ستظل الألسن تلوكها ولن يوقفها اعتقال كاتب صحافي…
وأخيراً أقول ناصحاً لرموز ثورتنا الشعبية ابتعدوا واحذروا الاقتراب من المساس بحرية الإعلام، وقد تقولون لي لكن ما (يتقيأه) الطيب لا علاقة له بحرية الصحافة، وأقول لكم القانون كفيل به، وقد تقولون كما قال مناع نحنُ الآن طبقنا القانون، وأقول: لا بل تجاوزتم الإجراء المعمول به وفقاً لقانون النشر، وانتصرتم لذواتكم وفشيتم مراراتكم واستغليتم سلطاتكم ونفوذكم، وأسأتم لثورتنا التي لم نزل نتغنى بشعارها (حرية سلام وعدالة)…
وأخيراً نحنُ لانقر أسلوب التجريح والإساءة في الكتابة الصحافية ، ولكن في نفس الوقت لانقرّ تجاوز القانون وتجزئة القيم والمباديء…
اللهم هذا قسمي في ما أملك..
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.
The post الطيب مصطفى مرة أخرى.. بقلم احمد يوسف التاي appeared first on السودان اليوم.